بعد مرور نحو 13 عاماً على الحرب التي أسقطت نظام الدكتاتور العراقي صدام حسين لا يكاد العراقيون يجدون وقتاً للاهتمام بنقاش دولي يجري حول مشروعية الحرب أو ملف أسلحة الدمار الشامل الذي استخدم كمبرر لتغيير السلطة بالقوة، فأهل ما بين النهرين غارقون في أقسى مستويات العنف والتهجير والأزمات الاقتصادية، وبشكل غير مسبوق منذ نحو عقد.

لكن العراقيين يعودون إلى مناقشة «أيام صدام» ومقارنتها بالوضع الراهن، كلما طرح الآخرون سؤال الحرب، كما حدث مرتين خلال هذا الأسبوع في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهما البلدان الرئيسان في تحالف إسقاط صدام.

Ad

ففي بريطانيا، صدر تقرير رئيس لجنة التحقيق بشأن حرب العراق، السير جون شيلكوت، وانتهى إلى أن لندن اختارت المشاركة في الحرب «قبل استنفاد الخيارات السلمية»، موضحاً أن بلاده «ادعت وجود تهديدات تمثلها أسلحة الدمار الشامل العراقية، بدرجة يشوبها تأكيد غير مبرر استناداً إلى معلومات استخباراتية غير دقيقة».

وفي العادة يهتم البعثيون العراقيون بهذا الملف، إذ يهمهم القول بأنهم التزموا قرارات الأمم المتحدة، لكن أميركا مع حلفائها كانت تبحث عن أي ذريعة للحرب، أما غير البعثيين فيتلقون الأمر بنحو آخر، فكثير من معارضي صدام والمتضررين من حقبته الوحشية لا يهتمون بأسلحة الدمار الشامل، إلا أنهم يشعرون أحياناً بالحنين إلى عهده حين يتصاعد العنف، وتبدو الدولة العراقية الجديدة غائبة وعاجزة عن فعل شيء.

وقد حاول رئيس الحكومة حيدر العبادي تخفيف هذا الشعور، وحقق انتصارات حربية مهمة ضد «داعش» منذ الربيع الماضي، إلا أن مجزرة الكرادة، التي أوقعت 280 قتيلاً في قلب بغداد وكان ضحيتها المئات، جعلت الأهالي يشككون مرة أخرى في مدى فاعلية الدولة.

وينقسم العراقيون بشأن صدام حسين في كثير من القضايا، لكن كثيراً منهم يقولون إن عهده الوحشي كان يضمن نوعاً من الاستقرار لشريحة اجتماعية واسعة من كل الطوائف.

ويجادل الفريق الآخر بأن ذلك الاستقرار كان سطحياً ومزيفاً، فقد مات نحو مليون عراقي خلال الفترة من 1980 إلى 1991 نتيجة حربين مع إيران والكويت، وهذا في حد ذاته أخطر من أسلحة الدمار الشامل، إلا أن هؤلاء يتفقون في الوقت نفسه مع التقرير البريطاني الذي يذكر أن «الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب لم يكن كافياً»، إذ لم يجر بناء متطلبات الاستقرار في العراق، وارتكبت أخطاء رهيبة تضخمت تداعياتها وتضررت منها المنطقة والعالم.

ولعل هذا ما بدأ يقتنع به معظم الساسة في أميركا نفسها، وهم يرون أن العراق أصبح مصنعاً دولياً لإنتاج الإرهاب والتدريب على العنف!

وقد ظهر مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات دونالد ترامب أمام تجمع لمؤيديه في نورث كارولينا، قائلاً إن «صدام كان رجلاً سيئاً، أليس كذلك؟ كان شريراً، بل شريراً جداً، ولكن أتعلمون ما كان يجيده؟ كان يقتل الإرهابيين وتفوق في ذلك. لم يكن يشغل نفسه بحقوقهم، ولم يسمح لهم بإلقاء الخطب. كانوا إرهابيين وانتهى الأمر».

وينتمي ترامب إلى الحزب الجمهوري، الذي قاد جهود الإطاحة بصدام حسين في عهد جورج بوش الابن، لكن ترامب معروف بتصريحاته الصادمة ويتخصص في قول الغرائب كما لا يفعل أي مرشح غيره في أميركا. وأثار كلام الرجل موجة سجال أخرى بين العراقيين، الذين عادة ما يختمون نقاشهم هذا بالاعتراف بأنهم حائرون أثناء المقارنة بين «حسنات الدكتاتورية» و«أخطاء الديمقراطية»، لاسيما وهم يرون أن لندن وواشنطن تشهدان انقساماً حاداً حول صدام حسين بعد 10 سنوات على إعدامه في سجن مظلم ببغداد.