لقاء قارئة

نشر في 04-11-2015
آخر تحديث 04-11-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي كنتُ في زيارة فحص دوري لإحدى عيادات المستشفى "الأميري"، وبينما أنا جالسٌ أقرأ في أحد الكتب منتظراً دوري للدخول على الطبيب، اقتربت هي مني وشيءٌ من الخجل في صوتها:

"صباح الخير".

"صباح النور".

رددتُ عليها، فبادرتني:

"أنا قارئة أتابع كتاباتك منذ سنوات".

ابتسمت لها قائلاً:

"شكراً جزيلاً".

في بداية أربعينياتها. هندامها المرتب وابتسامة وجهها المشرقة، يوحيان بثقتها بنفسها. أشرت إليها بأن تتفضل بالجلوس، فرحبت قائلة:

"ربّ مصادفة خير من ألف ميعاد". أخبرتني أنها ومجموعة من صديقاتها يتابعن الكتابات القصصية والروائية والصحافية لي ولمجموعة من زملائي أبناء جيلي، وأنهن ينتظرن دائماً جديدنا بلهفة كبيرة. ولاح شيء من الرضا في نبرة صوتها وهي تقول:

"أنتم جيل نعتز ونفخر به تمثلون الكويت خير تمثيل، لكن..." بقيت أنتظرها لتكمل جملتها فأضافت: "الآن اختلط الحابل بالنابل. جاء جيل من الشباب يكتب لكي يفاخر بكتاباته، ولكي يقول للقارئ أنا أفضل منك بموهبتي وكتاباتي وجوائزي".

"هناك رائعون بينهم".

قاطعتها من باب الحقيقة. فهدأت قليلاً، وقالت:

"سلامات".

أخبرتها أنني في زيارة لفحص دوري للاطمئنان، وأنه يصعب اليوم النجاة من أمراض العصر كالضغط والسكري والرماتيزم وخشونة وآلام المفاصل. لكنها أسرعت تبادرني:

"لا نريد لكم أن تمرضوا". استوقفتني جملتها، ورسمت ابتسامة على وجهي، لكنها أكملت: "دعوا المرض للآخرين. المبدعون قلة في كل المجالات، ولذا نتمنى ألا يصيبهم أي عارض صحي".

"المرض لا يفرق بين مبدع وإنسان آخر". استوقفتها، وأضفت: "مؤكد أنك تعلمين، الوجع والألم والضيق كانت على الدوام صديقاً مخلصاً وملازماً للمبدعين في مختلف العصور".

أومأت برأسها مؤيدة، وابتعدت بنظرتها ريثما قالت:

"الكويت صغيرة، ولا يُولد أديب كل يوم ويبقى مواظباً على العطاء حتى يتأكد حضوره ووصله بالجمهور".

كلامها بعث شيئاً من الفرح في قلبي، فحييتها:

"شكراً جزيلاً".

"أتمنى أن تظلوا أصحاء دائماً".

انطلق منبه عالٍ وأضاءت لوحة الأرقام رقم دخولي على الطبيب، فنهضت مستأذناً:

"فرصة طيبة، وشكرا لتمنياتك الرقيقة".

صافحتها، وتأكدت من ورقة الرقم في يدي. وأخذت طريقي إلى عيادة الطبيب، وأنا أفكر: جميل أن تجد من يقدّرك بشكل بسيط وحقيقي، ويبعث شيئاً من الفرح في قلبك. وتسرع إلى فكرة أخرى، دار ببالي: على كل أديب أن يحسب حساب القراء، وأن يبقى دائماً مهموماً بتطوير وتحديث أدواته وقراءاته ووعيه، لكي يكون عند حسن الظن. ولا أدري لماذا ارتسمت على وجهي ابتسامة، وأنا أتذكر كلماتها: "لا نريد لكم أن تمرضوا!". انتبهت إلى أنها لم تقدم نفسها وأنني لم أسألها. فتوقفت ملتفتاً حيث كنا، لكنها لم تكن هناك. تأسفت لذلك وحثثت خطاي هامساً لنفسي: لا أحد يحب المرض، لكنها الحكمة بأن يعاني المبدع ما يعانيه باقي البشر وربما أكثر منهم، كي يشعر بمعاناتهم ويعبر عنها، فتصل إليهم كتاباته وتترك آثارها على أرواحهم.

back to top