وسط ما تعيشه المنطقة من تنازع أيديولوجية سنية وأخرى شيعية، وصعود الطائفية على حساب الهوية الوطنية، وانهيار دول عربية وتصاعد الدورين الإيراني والتركي في المنطقة على حساب العربي، فضلاً عن الحروب وموجات الهجرة المتعاظمة وبروز «داعش» وتهديده للمنطقة، مع غياب دور الحليف الأميركي، كان لابد للخليجيين أن يواجهوا هذه التحديات... ومن هنا جاءت «عاصفة الحزم».

Ad

تتنازع المنطقة العربية أيديولوجيتان: الأيديولوجية السياسية السنية ممثلة في جماعات الإسلام السياسي، والأيديولوجية السياسية الشيعية ممثلة في "النظام الإيراني" وحلفائه ووكلائه وذيوله في المنطقة، الإسلام السياسي السني يريد أن يسود باسم "الخلافة" والإسلام السياسي الشيعي يريد أن يهيمن باسم "ولاية الفقيه"، وبين هذه وتلك تعيش المنطقة أوضاعاً مضطربة من أبرز سماتها، صعود الهويات الأدنى، الطائفية والعقائدية المتطرفة على حساب الهوية الوطنية والقومية، وتفكك السلطة الوطنية وانهيار الدولة في عدة دول عربية، وتصاعد الأدوار الإقليمية "إيران" و"تركيا" على حساب الدور العربي، سواء بالعدوان على أطراف عربية أو استباحة أمنها وحدودها أو التدخل في شؤونها، أو إثارة الانقسامات المذهبية بين مكوناتها، أو دعم وتسليح وكلاء محليين للتمرد على السلطة الشرعية، أو إرسال أسلحة ومتفجرات عبر مهربين إرهابيين خدمة لأجندة إقليمية ذات طابع هجومي تخريبي يستهدف تفتيت دول المنطقة وإضعافها.

 تشهد المنطقة كل هذه الظواهر إضافة إلى الحروب وموجات الهجرة والنزوح المتعاظمة، وبروز دول عدوانية للإرهاب، "داعش" استولى على مساحات واسعة من سورية والعراق، وأصبح يهدد أمن المنطقة والعالم جميعاً، ومن ناحية أخرى وصل التدخل الإيراني الساعي لتفتيت دول المنطقة إلى اليمن مهدداً أمن دول الخليج واستقرارها ومصالحا، فأصبح الحزام الناسف الإيراني يطوق المنطقة والخليج منذراً بتفجيرها عبر الذيول والخلايا النائمة.

 كل هذا يحصل والمنطقة تغلي، وحليفنا الأميركي الذي كان عوناً وسنداً وحامياً ورادعاً في تراجع وانسحاب وغفلة تاركاً الساحة للعابثين والمفسدين والمخربين واللصوص والثعالب، فهل يقف الخليج متفرجاً؟ وهل يدير ظهره لهذه التدخلات التي تستهدف أمنه واستقراره ومصالحه؟

كان لا بد للخليجيين أن يقفوا في مواجهة هذه التحديات الجديدة كما وقفوا في الماضي أمام التحديات العاصفة وأسسوا مجلس التعاون الذي حمى وصان الكيان الخليجي من الأطماع والمخاطر والرياح الهوجاء، كان لا بد من اتخاذ قرارهم التاريخي الحازم الذي جاء في لحظته التاريخية الفاصلة والحاسمة، وفاجأ العالم بما فيه القوى الكبرى وعلى رأسها حليفتنا التاريخية أميركا، كان لا بد من "عاصفة الحزم" معلنة "استقلالية القرار الخليجي الأمني" ودع عنك أصحاب الهواجس والظنون الذين يرددون بأن "عاصفة الحزم" جاءت متأخرة، ولا تلتفت للذين ما زالوا مرتابين متوجسين يرددون بأن الهدف توريط الخليجيين في "المستنقع اليمني".

 عاصفة الحزم جاءت في لحظتها التاريخية، وفي وقتها المناسب تماماً، لم تتأخر ولم تتقدم واسأل العالمين بها، فعندما استولى المتمردون الحوثيون على السلطة، وخطفوا الشرعية، وسعوا إلى مطاردة الرئيس الشرعي بعد أن أفلت منهم بعناية الله تعالى وفضله، وكادوا أن يقضوا عليه، ثم نصبوا الصواريخ الموجهة إلى السعودية، جاء القرار الحاسم بالتدخل، وهؤلاء الذين يرهبوننا بالمستنقع اليمني ويكثرون من ترديد (لو) و(لو)، ويظهرون ويتظاهرون بهيئة الناصحين، المشفقين، المتخوفين، ماذا يريدون؟! هل يريدون من الخليج ترك النار المشتعلة تحرق وتدمر اليمن وبعده الخليج؟!

معلوم بأن لكل تدخل ثمنه، ولكل حرب كلفتها وتضحياتها، ولكل علاج آثاره الجانبية المُحتملة والمتوقعة، وقادتنا- رعاهم الله تعالى- الذين اتخذوا القرار التاريخي أعدوا للأمر عدته، وحسبوا كلفته ومخاطره وتداعياته وآثاره، وهم على بصيرة وبينة، ولم تكن تلك المخاطر غائبة عن الحسبان، فلماذا يصر بعض كتّابنا على ترديد مثل هذه المخاوف المثبطة للعزائم والموهنة للإرادات، والمجهضة للآمال والمروجة للدعايات المستهلكة في كل محفل ومنبر؟!

إن تحالف العزم والأمل مستمر في التقدم بخطى ثابتة على كل الجبهات، محققاً انتصارات وإنجازات عظيمة ومقدماً تضحيات باسلة ومجهضاً حلم إيران في زرع شوكتها في الخاصرة الخليحية، ها هي بشائر النصر تلوح والحوثي وحليفه يرضخان كرهاً بعد أن أصبحت أسلحتهما خارج الخدمة، وفر أنصارهما غرباً! ولن يوقف التحالف عملياته إلا بعد الرضوخ الكامل غير المشروط للقرار الأممي، فلا يفلّ الحديد إلا الحديد، وهؤلاء لا أمان ولا عهد لهم، سيظل التحالف يطرق رؤوسهم حتى يكفوا عن عبثهم وتمردهم.

عاصفة الحزم تأكيد لاستقلالية القرار الخليجي الأمني، عززت ثقة الخليجيين والعرب بقدراتهم في استعادة التوازن في موازين القوى الإقليمية في المنطقة، وهي رسالة بليغة إلى كل الطامعين المتدخلين ووكلائهم وذيولهم في المنطقة.

ختاماً: صرح وزير الخارجية البحريني مؤخراً بعد الحزم، دول الخليج تتحمل مسؤولياتها وحدها، ولا تعتمد على حلفائها- وذلك بعد عون الله تعالى وتوفيقه- فما حكّ جلدك مثل ظفرك.

* كاتب قطري