عاشوراء ... الحرية موقف!
مدرسة الحسين هي التي تنفض التراب من القلوب الوجلة، وتبدّد عوامل الخوف، وكل ذلك ليس بالتنظير أو الخيال، إنما بتجسيد حقيقي على الأرض، وبنموذج حي وتطبيق ميداني تتلهف القلوب الصادقة والنفوس الأبية إلى أن تحذو حذوها والاستلهام من نبعها.
صدى ذكراك يا أبا الأحرار يختزل نفق الزمن ويعبر من خلالنا إلى رحاب المستقبل، فيجسد معزوفة كلماتها بطولة وملامحها عطاء ومواقفها فخرا وإباء، ولو كان لحنها يعصر الفؤاد ويذرف دموع البكاء.يتجدد اللقاء بأبي الشهداء الإمام الحسين بن علي "عليه السلام" في ذكرى عاشوراء فنحيي بها خلود الحسين وبقاء الحسين وشموخ الحسين، أما عاشوراء فهي تحيينا وتبعث فينا روح الصمود وعبق الصبر على البلاء وشجاعة مواجهة الظلم والفساد، بل ندرك خلالها قيمتنا الإنسانية ومعنى الكرامة وثمن التضحية.
مدرسة الحسين (ع) لم تأت بجديد في معنى الشهادة وآثارها، ولم تبتكر فلسفة الثورة على الطغاة، ولم تبتدع مفهوم الدفاع عن المبادئ والأخلاق، فهذه بدهيات موروثة في البشر وغرستها التعاليم الربانية وخلاصة الفكر الإنساني، إلا أنها غائبة أو مغيبة، فإما غائبة بسبب اللهث وراء الراحة والكسل واللامبالاة وإما مغيبة نتيجة الخوف والإرهاب ووسائل التهديد والانتقام، لكن مدرسة الحسين هي التي تنفض هذا التراب من القلوب الوجلة، وهي التي تبدّد عوامل الخوف، وهي التي تبعث روح الحياة في الأبدان الجامدة، وكل ذلك ليس بالتنظير أو الخيال، إنما بتجسيد حقيقي على الأرض، وبنموذج حي وتطبيق ميداني تتلهف القلوب الصادقة والنفوس الأبية إلى الحذو نحوها والاستلهام من نبعها.الشجاعة فقط تحقق الإرادة، والإرادة تحدد الهدف، والهدف يشكل الموقف، والموقف يصنع الفارق، وهذه أيقونة ثورة الحسين (ع) في صناعة الحدث ورسم المستقبل، وهذه المعادلة المختزلة صالحة لتغيير الفرد والمجتمع والأمة والبشرية عموماً، فلا تقاس ثورة الحسين بحجم تضحيته ولكن بمردودها الذي يتسع العالم برمته، فالحسين (ع) فرد ثار وقتل، ولكن امتداد الحسين عبر التاريخ وخلال الحاضر وفي المستقبل يعكس الحجم الحقيقي لهذا الإنسان الفرد على حقيقته، ويضعه في كفة، وفي الكفة الأخرى كل الأدبيات والشعارات والتطبيقات والنماذج التي سطرتها البشرية ولا تزال وإلى ما شاء باسمه ومن روح عطائه.أفلا نحتاج إلى مثل الحسين (ع) اليوم وأبواق الضلال تصدح بالكذب والافتراء دون حياء؟ أفلا نتشوق إلى منهج الحسين (ع) وقد ركب كل دنيء وفاجر وقاتل للنفس المحترمة على أوداج الدين وأعلن نفسه أميراً للمؤمنين؟ أفلا نريد الحسين (ع) وقد تحول المعروف إلى المنكر والمنكر إلى المعروف، وصرنا ندعو ولا يستجاب لنا؟ أفلا نحتاج الحسين (ع) وقد كثر الأدعياء وأبناء الأدعياء فركزوا بين اثنتين: السلة والذلة؟ أفلا نطلب الحسين (ع) بعد كل هذا لنردد معه "هيهات منا الذلة"؟ السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى دمائك الزكية وروحك الطاهرة وذكراك الملهمة، وعلى الشهداء بين يديك وعلى السائرين على نهجك الميمون في إباء الضيم وعشق الكرامة والشهادة ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد للنهل من عطائك المتدفق وكبريائك المتوقد وشأنك المتألق!