{المرسي أبو العباس}
قبل عرضه في مهرجان الإسكندرية السينمائي أتيحت لي الفرصة لمشاهدة الفيلم الروائي الطويل {المرسي أبو العباس}، وأثار عنوانه استغرابي. حتى إنني تخيلت أنه فيلم تسجيلي عن قطب الإسكندرية الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجى الأنصاري المرسي ( 616 – 686 هـ)، ولازمتني الدهشة الممزوجة بالحيرة طوال اللحظات الأولى من الفيلم. ويحكي الأخير قصة المخرجة {ندى} (نورهان) التي ترغب في تصوير فيلم تسجيلي عن {المرسي أبو العباس}، ويحيلها إمام المسجد (صبري عبد المنعم) إلى السيد {خالد} (عاطف عبد اللطيف) سليل القطب الديني الكبير، والحريص على إرثه، وصورته. لكن المخرجة تكتشف بعد البحث أنه لا ينتمي إلى {المرسي أبو العباس}، وليس من نسله، وفور أن تصارحه بالحقيقة الصادمة ينكر، ويُكابر، قبل أن يُذعن ويستسلم، ويسافر إلى المغرب للبحث عن جذوره، ويتحرى عن أصوله، وهناك يكتشف أنه يهودي الأصل! أول ما استوقفني في الفيلم أن كاتب قصته وبطله هو عاطف عبد اللطيف، الذي قدم نفسه للرأي العام بوصفه الخبير السياحي، وصاحب البرنامج التلفزيوني السياحي {مسافرون}، وتؤكد صفحته الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي {فيسبوك} أنه حاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس في العام 1979، وحاصل على دكتوراه في فلسفة صناعة السياحة من جامعة كوزموبوليتان بالولايات المتحدة الأميركية. غير أن أهم ما تُشير إليه الصفحة، في رأيي، أنه {سفير النوايا الحسنة للتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب}، فالعلاقة وثيقة الصلة بين طبيعة المنصب {التبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب}، وبين توجه فيلم {المرسي أبو العباس}، الذي كتب قصته، وهيمن على بطولته مما دفعني للشعور أنه شريك في الإنتاج أيضاً، خصوصاً أنه معدوم الموهبة ويفتقر إلى الحضور. وطوال الوقت يُعيد إلى ذاكرتي التجربة المتواضعة للمنتج محمد مختار، الذي شجعه زواجه من {نجمة الجماهير} نادية الجندي إلى دخول الساحة السينمائية كمنتج ثم خاض تجربة التمثيل {بفلوسه}، وحقق فشلاً ذريعاً، وهو الأمر الذي أتوقع أن يتكرر مع عاطف عبد اللطيف!
كتب سيناريو {المرسي أبو العباس} وحواره جوزيف فوزي وأخرجه عمرو منصور، وقيل إن الفيلم ثمرة تعاون بين المغرب ومصر، ولهذا السبب ضم في بطولته وجوهاً من المغرب مثل: حميد نجاح، إلهام واعزيز، يوسف الجندي ومنار العطار المصرية ذات الأصول المغربية بينما جاءت مشاركة النجوم المصريين هزيلة للغاية، وتحول لطفي لبيب، صبري عبد المنعم، نورهان، أحمد عزمي، سليمان عيد إلى {كومبارس}، في حين تمحور الفيلم بالكامل حول {الخبير السياحي} الذي لم يغب عن الشاشة، وكأنه أحمد زكي، فهو الذي تصدمه الحقيقة المُرة في الإسكندرية، ويقرر السفر إلى المغرب، وبرفقته سائقه (سليمان عيد) الذي لا يدري أحد لماذا يرافقه في رحلة البحث عن هويته، قبل أن نُدرك أنه {البهلوان} مُضحك البطل، ونديمه، وهو العاشق، الذي تقع {سارة} في غرامه، وتخطط العائلة اليهودية إلى احتوائه!{سفير النوايا الحسنة للتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب} كان يعلم ما يريده بالضبط من الفيلم الذي كتب قصته، فاختيار المغرب للبحث عن جذور البطل، وهويته، كان متعمداً كونها البلد الذي احتضن اليهود، وضرب المثال بالتعايش السلمي بين المسلمين واليهود، رغم انتفاء صلة {المرسي أبو العباس} بالمغرب، وانتسابه إلى مدينة مرسية الأندلسية، التي ولد فيها، قبل أن يستقر به المقام في تونس، عقب نجاته وأخيه من غرق المركب التي أقلتهما، مع والدهما وأمهما، وهم في طريقهم إلى الحج، وتوطد علاقته والشيخ أبو الحسن الشاذلي، الذي أقنعه بالانتقال معه إلى مصر. وإذا كان الفيلم يحض على التعايش، ويدعو إلى التسامح، فهل هذا مدعاة لأن يتبنى المؤلف أفكار الكهل اليهودي، ويجعل منه الفيلسوف الرصين، و}الحاخام الأكبر} الذي يطالبنا بأن نكون {أخوة} ونتذكر أننا جميعاً {أبناء آدم وحواء}؟ وهل يُعقل أن {خالد}، الذي عاش عمره وهو سليل {المرسي أبو العباس}، يتورط، فجأة، في علاقة جنسية مع ابنة عمه اليهودية {سارة}، التي تحمل منه سفاحاً، ويبدو الأمر مُتفقاً عليه، بينها وجدها، لإقناع {اليهودي الضال} بالعودة إلى الحظيرة، والحفاظ على شجرة العائلة! {دس السم في العسل} هي النظرية التي رآها {سفير النوايا الحسنة} الوسيلة المثلى {للتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب}، لكن الفيلم لا يسعى، كما قيل زيفاً وبهتاناً، إلى {التقريب بين الشعبين المصري والمغربي}، وإنما استهدف بالمقام الأول طمس الهوية، والدعوة إلى إعادة قراءة التاريخ، عبر التشكيك في الحقائق، وإسقاط المسلمات، والتصالح مع أنفسنا (والآخر)، والتعايش مع {الغير}، وهذا ما كرس له الفيلم بتركيزه على الرموز الدينية والقومية المقدسة للدولة العبرية مثل {الشمعدان} و}القلنسوة} وتأكيده أن {النظر إلى الوراء غير مجد}!