ترانيم أعرابي: مثقف بلا مكتبة!
من المثقف؟ سؤال أجاب عنه العديد من الكتّاب والمؤلفين لدرجة أنني وجدت البعض يبحث عن دورات تعليمية حول الثقافة، وبرأيي أننا نحتاج إلى دورات في من يصنع المثقف لا كيف نصنع المثقف، فوجود معلمين وأسر تعتني بالثقافة وتطبقها أفضل من وجود مثقف أحيانا لا يستطيع أن يؤثر.ليس هذا موضوع مقالي إنما القصد من وراء كتابة المقال هو الإجابة عن تساؤل كان يقبع في عقلي عندما لم تكن لدي مكتبة! إذ إنني كنت أعتقد أن المثقف هو صاحب المكتبة، وحينما امتلكتها وجدت أن المكتبة تمثل الشيء القليل من الثقافة، فالباحث عن المعرفة يجدها في المكتبات العامة أو الجامعية حتى في مكتبات الأصدقاء، فامتلاك المكتبة مهم لكنه ليس أصلا من أصول الثقافة. قد يمر عليك في حياتك أشخاص يمتلكون مكتبات مرعبة وعندهم من الكتب القديمة والحديثة ما يتمناه أي مثقف! لكنهم في واقع الأمر هواة جمع الكتب التراثية مع التأكيد أن الكثير منهم يقرأ ما يجمع لكنه ليس مثقفا، وهذا في ميزان المعرفة أهون ممن يمتلك المكتبة لتكون جزءا من ديكور المنزل!
إذاً من المثقف؟ وما الأدوات التي تقودني للوصول إلى سلم الثقافة؟ حينما نبحث في تعريفات المثقف لدى بعض رجال الثقافة في العالم نجد "العقاد" رحمه الله يقول "الثقافة معرفة شيء من كل شيء"، وأعمق من تعريف العقاد تعريف إدوارد تيلور، وهو أنثروبولوجي إنكليزي "الـثـقـافـة هـي الـكـل الـمـركـب الـذي يـتـضـمـن الـمعـارف والعـقائـد والـفـنـون والأخـلاق والقوانين". هذان التعريفان ما هما إلا شيء يسير من التعريفات التي تملأ الكتب والشبكة العنكبوتية لكن هناك ثلاثة أسس، لا أدعي أنها الوحيدة لكنها من الأسس لتكوين الثقافة، ومن خلال اعتناق هذه الأسس يتحول الإنسان من صاحب مكتبة أو قارئ إلى مثقف، وكلما تعمق فيها زادت وزنه في عالم الثقافة والعلم.أول هذه الأسس هو تبني المثقف قيمة "نشر الثقافة" من خلال إيصالها للمهتمين، وكذلك من خلال توعية المجتمع الذي يعيش فيه، مع الأخذ بعدم الوصاية على عقول البشر، وهذا أمر ملاحظ في عالمنا العربي خصوصا، فبعض العلماء وبعض المثقفين يجعلون لأنفسهم سلطانا على عقول من يستمعون لهم أو يتابعونهم اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيقتطعون بعض الحقائق أو يذيبونها ويدمجونها بأفكارهم، وهذا الأمر ليس من صفات المثقف، وربما يكون في مقال قادم الحديث عن المجتمع والعلم والعلاقة بينهما.الأساس الثاني الذي على الساعي للثقافة أن يتمكن منه هو "النقد"، فالنقد أساس من أسس الثقافة والعلم، وبدونه لا وجود للتطور العلمي، ولست هنا في إطار مناقشة النقد الإيجابي أو السلبي إنما في ربط قيمة النقد بالثقافة، وقد قيل فيما مضى "من الصعب أن تكون مثقفا ما لم تمتلك شجاعة النقد الذاتي"، فما بالكم بتقبل النقد من الآخر؟ ولعلنا اليوم نشاهد العديد من النماذج لأشباه المثقفين الطائفيين أو القُطريين أو الدينيين أو حتى الطبقيين والعرقيين، وهذا يؤثر على المجتمع ويقودني للنقطة الثالثة في تكوين المثقف، وهي قضية "تبني القضايا بحق".المثقف هو زعيم النضال في الدفاع عن القضايا التي يؤمن بها لا المزاج العام للمجتمع ولا المزاج السياسي للدولة التي يعيش فيها يستطيعان التأثير على المبادئ التي يؤمن بها، والشيء الوحيد المقبول في تغيير المبادئ هو تغيير القناعات عن اقتناع! أما ما عدا ذلك فهو انحراف ثقافي وأدعو القارئ أن يطلع على أنموذج الفرنسي "جان لاكوتير" وهو يساري تقدمي حمل مبادئه معه في مواقف كبيرة وعديدة. وهنا نقطة مهمه يجب إيضاحها، فلا نناقش هنا هل المبادئ صحيحة أم غير صحيحة إنما نتحدث عن الإيمان بالمبدأ، فالداعشي اليوم الذي يفجر نفسه في المسجد هو صاحب مبدأ ومؤمن به وإلا لما ضحى بحياته، والأمر ذاته لنقيض الداعشي تتجلى في الحركات الاجتماعية المتطرفة مثل المثليين أو الحركات النسوية المتطرفة، فهذه كلها تحمل مبادئ وتؤمن بها إيماناً تاماً ومستعدة لنشرها والتضحية في سبيلها. ختاما نصيحة لنفسي وللقراء، فأنا أسعى أن أصل إلى مرتبة المثقف، هذه النصيحة لبها وقلبها الابتعاد عن المنافقين، فاعتزازك بعلمك وثقافتك وإنتاجك الفكري لا يعني أبدا أن تبرز نفسك من خلال منافقتك لأصحاب القرار، فالإعلام يصنع مثقفين من ورق، والمنافقون يطبلون دائما للضعاف الذين تجمعهم بهم المصالح!«شوارد»"الثقافة التي تخاف على نفسها من هجمة قط الجيران… ثقافة فئران".نزار قباني