العواقب المأساوية لأزمة الديون اليونانية
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن اليونان ستكون في حاجة إلى حزمة إنقاذ بقيمة 52 مليار يورو في الفترة ما بين شهر أكتوبر المقبل ونهاية عام 2018، ويتعين أن يكون 36 مليار يورو من ذلك المبلغ من أموال جديدة من دول منطقة اليورو، وأن هذا التمويل ضروري.
يشير تحليل صندوق النقد الدولي الذي صدر في أواخر شهر يونيو الماضي حول أزمة الديون اليونانية إلى ذيول مأساوية حقيقية نجمت عن تصويت الناخبين اليونانيين في شهر يناير لمصلحة حكومة شعبية برئاسة أليكسيس تسيبراس وهو رئيس الوزراء وزعيم حزب سيريزا اليساري الراديكالي، ويظهر تحليل صندوق النقد الدولي أن اليونان انتقلت من وضع كانت فيه ديونها الكبيرة واقتصادها في تحسن إلى حال غدت فيه في حاجة إلى كميات ضخمة من أموال الإنقاذ من الدائنين الرسميين إضافة إلى المزيد من الإعفاء من الديون.ولعل ما هو أكثر سوءاً من ذلك أن تلك الحسابات تمت قبل أن يتخذ السيد تسيبراس قراره المتهور حول إجراء استفتاء شعبي بشأن شروط صفقة إنقاذ جديدة (وحملته الرامية الى رفضها)، وقد ألحق ذلك المزيد من الضرر بالاقتصاد اليوناني من خلال إغلاق البنوك في البلاد إضافة إلى مفاوضات أثينا مع دائنيها، كما أفضى إلى جعل اليونان أول دولة متقدمة تتخلف عن سداد قرض صندوق النقد الدولي، وحتى مع تصويت الناخبين أخيراً ضد السيد تسيبراس ودعم مقترحات الإنقاذ التي طرحت من الدائنين، وقد سحبت الآن، فإن تكلفة التخلص من الفوضى التي سببتها الحكومة التي يهيمن عليها حزب سيريزا قد ارتفعت بشكل جلي إلى حد كبير.اقتصاد لا يصلح لمنطقة اليورو ويجادل بعض المعلقين الآن في أن الاقتصاد اليوناني قد أصبح ببساطة غير ملائم بالنسبة الى منطقة اليورو لأنه غير قادر على مواكبة قضية وجوده فيها، ومن المؤكد أن حجم الانكماش الذي شهدته اليونان– 27.4 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي من مستوى الذروة في ربيع عام 2007 إلى النقطة الدنيا في أواخر عام 2013– يتجاوز حجم أي انكماش شهدته أي دولة أخرى. (وقد عانت البرتغال، على سبيل المثال، هبوطاً بنسبة 9.6 في المئة في الفترة ما بين أوائل عام 2008 وبداية سنة 2013)، وعلى الرغم من ذلك فقد بدأ التعافي في عام 2014 وفي الربع الثالث من ذلك العام كانت اليونان واحدة من أكثر الاقتصادات نمواً في منطقة اليورو، كما أن الصادرات التي اتسمت بالضعف خلال معظم فترة السنوات الخمس السابقة (ويرجع ذلك بشكل جزئي الى هبوط في صناعة الشحن البحري التي تشكل دعامة التصدير) شهدت تحسناً كبيراً، وقد نمت الصادرات بنسبة 9 في المئة في السنة الماضية مدفوعة بتحسن الموسم السياحي.وقد تحسنت أيضاً تمويلات اليونان العامة، حيث تحول العجز في الميزانية قبل دفعات الفائدة إلى فائض، وفي حقيقة الأمر فإن اليونان كانت قبل أكثر من سنة قادرة على العودة إلى الأسواق الخاصة، وقد اقترضت 3 مليارات يورو (3.3 مليار دولار بحسب سعر الصرف اليوم) في سندات لخمس سنوات بنسبة عائد يقل عن 5 في المئة، وكانت تلك عودة استثنائية بالنسبة إلى دولة عانت أكبر تخلف عن السداد في التاريخ، كما كانت الرابعة في أشد صور إعادة الهيكلة للدين العام بين بلدان الدخل المتوسط إلى العالي منذ عام 1975، وتمكنت اليونان أيضاً من جمع 1.5 مليار يورو أخرى في سندات لثلاث سنوات في شهر يوليو عام 2014، وفي وقت لاحق من تلك السنة حولت أثينا المبلغ ذاته على وجه التقريب في سندات الخزانة إلى دين طويل الأجل، والأكثر من ذلك فإن وضع ديون اليونان، كما طرحه تحليل صندوق النقد الدولي للديون كان يشهد تحسناً لافتاً، وتوقع صندوق النقد الدولي في آخر مراجعة له لبرنامج الإنقاذ في شهر مايو من عام 2014 هبوط الدين من 175 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2013 إلى 128 في المئة في 2020 وإلى 117 في المئة في سنة 2022، على افتراض أن إجراءات الميزانية في البرنامج وكذلك الإصلاحات وخطوات الخصخصة ستسير كما هو مخطط لها.ولا تزال هذه الأرقام عالية جداً بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي الذي أصر في أواخر عام 2012 على خفض الديون إلى 124 في المئة في سنة 2020 وإلى 110 في المئة في 2022، وعلى أي حال ومنذ تلك المراجعة في ربيع عام 2014 هبطت معدلات الفائدة مما أسهم في تحسين صورة الديون المتوقعة في سنة 2022 بنسبة 9 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. ومع الأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى (مثل حقيقة عدم استخدام المخصصات البالغة 11 مليار يورو من نحو 50 مليار يورو لإعادة رسملة البنوك) فإن ديون اليونان ستهبط إلى 117 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2020 وإلى 104 في المئة في 2022 مما يعني عدم وجود حاجة إلى مزيد من الإعفاء من الديون.ولكن إبرة البارومتر التي كانت تتوقع ظروفا مواتية مقبلة تحولت بشكل حاد إلى أوضاع عاصفة، وحتى قبل أحداث الأسبوع الماضي الاستثنائية أحدثت السياسة المضللة والتكتيكات العدائية من جانب الحكومة اليونانية تأثيرات ضارة، حيث تم سحب الأموال من النظام المصرفي وشملت حالة عدم اليقين كل شيء في اليونان.وقد انتهى التعافي الموعود وانزلق الاقتصاد إلى مربع الركود من جديد في الربع الأخير من سنة 2014 والربع الأول من سنة 2015، وسيصبح ذلك الانكماش أكثر حدة في الوقت الراهن.وفي ضوء هذه التطورات المعاكسة تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن اليونان ستكون في حاجة الى حزمة إنقاذ أخرى بقيمة 52 مليار يورو في الفترة ما بين شهر أكتوبر المقبل ونهاية عام 2018، ويتعين أن يكون 36 مليار يورو من ذلك المبلغ من أموال جديدة من دول منطقة اليورو، وسيكون هذا التمويل ضرورياً لأن اليونان لن تتمكن من الوصول إلى الأسواق الخاصة من أجل دفع الفوائد واستعادة الديون المستحقة خلال تلك الفترة في حين تكون عوائد الخصخصة أدنى من المستوى الذي تم التخطيط له، والفواتير التي لم تسدد والمقدرة عند 7 مليارات يورو واجبة السداد، والأكثر من ذلك أن على المقرضين الأوروبيين عرض المزيد من الإعفاء من الديون عن طريق مضاعفة مواعيد الاستحقاق على قروض منطقة اليورو.وتأتي هذه التطورات قبل أحداث الأسبوع الماضي المدمرة، ويندر أن كانت تكلفة الضعف السياسي على هذه الصورة، وبغض النظر عن نتائج الاستفتاء الأخير فقد دفع المواطن اليوناني ثمناً باهظاً بسبب إيصال حزب سيريزا إلى الحكم.