ما كان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنْ يقع في هذا الخطأ الفادح وأن يقول في تصريح معلن نقلته كل وسائل الإعلام المسموع منها والمرئي والمقروء: "إن اللاجئين السوريين لا يهربون من النظام، أي نظام بشار الأسد، بل من "داعش"! ثم إنه ما كان عليه أن يعتبر أن هجرة السوريين الراهنة مرتبطة بالسياسة الغربية "الخاطئة" في المنطقة، فهذا لا يعكس واقع الحال، وهو بعيد عن حقائق الأمور بعد السماء عن الأرض، ولعله يدفع الذين اكتووا بنيران هذا النظام وممارساته إلى اعتبار أن هذا الرجل يقول مثل الكلام الذي تنقصه المصداقية انسجاماً مع انحيازه الخاطئ لا انطلاقاً من موقعه كرئيس دولة كبرى محترمة ومحبوبة من قبل العرب كلهم.

Ad

     إنه لا شك في أن بعض السوريين قد غادروا مناطقهم التي سيطر عليها "داعش" وسيطرت عليها بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى وهربوا إلى مناطق سورية أكثر أمناً من التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المعتدلة، لكن أعداد هؤلاء لا تشكل إلَّا رقماً متواضعاً جداً قياساً بالأعداد الهائلة التي هربت من بطش النظام وقسوته، واضطرت إلى الرحيل إلى الخارج وإلى ركوب أمواج بحور الظلمات واللجوء إلى عديد من الدول الأوروبية، إضافة إلى بعض الدول العربية وبعض الدول الإسلامية.

     إن المؤكد أن الذين هربوا من حلب وحماة وإدلب ومن الزبداني ومن دوما ومن مناطق حوران ومن غوطتي دمشق ومن بعض أحياء "الشام" نفسها لم يهربوا من "داعش" وباقي التنظيمات الإرهابية، بل من براميل نظام بشار الأسد المتفجرة ومن القتل العشوائي ومن المواد الكيماوية ومن الغازات السامة ومن الاعتقالات العشوائية ومن المجاعات ومن الدمار والخراب ومن النهب والسلب والاعتداء على الكرامات، الذي مارسته "شبيحة" هذا النظام وعشرات الزمر المذهبية المستوردة من إيران ومن العراق ولبنان وأفغانستان... وحتى من الصين.

     ثم إن المؤكد لو أن الأمر يقتصر على الأفعال الشائنة التي قام بها "داعش" ولايزال يقوم بها فلماذا اضطر الهاربون من بطش هذا التنظيم وجرائمه إلى هذه الهجرات الجماعية إلى الخارج ولكانوا وجدوا المأوى الذين يبحثون عنه في كنف هذا النظام وحمايته، وذلك مع أن بشار الأسد كان قد اعترف في آخر خطاب له بأنه لا يسيطر على كل الأراضي السورية، ومع أنه بات معروفاً أن نظامه لا يسيطر إلا على ما هو أقل من خمسة وعشرين في المئة من مساحة سورية.

     وليعذرنا الرئيس الروسي، الذي له كل التقدير والاحترام كرئيس لدولة صديقة لمعظم العرب هذا إنْ ليس كلهم، أنْ نقول له إنه غير صحيح على الإطلاق أنَّ هجرة السوريين الراهنة مرتبطة بالسياسة الغربية الخاطئة في المنطقة، وهذا مع تأكيد أن بعض الدول الغربية قد ارتكبت جرائم لا تغتفر في هذه المنطقة، وأول هذه الجرائم هي اتفاقية سايكس – بيكو السيئة الصيت والسمعة، وهي جريمة إنشاء دولة إسرائيلية في فلسطين، وطن الشعب الفلسطيني، وأن هجرة السوريين الراهنة مرتبطة بالبطش الذي بقي يمارسه هذا النظام على مدى نحو خمسة وأربعين عاماً ضد هؤلاء، إذ إن هناك، قبل كل هذه البشاعات التي ارتكبت منذ عام 2011 ولاتزال ترتكب يومياً وفي كل لحظة، مذبحة حماة الأولى عام 1964، ومذبحة حماة الثانية عام 1982، ومذبحة تدمر، والمذابح اليومية المتنقلة، والإعدامات بلا محاكمات، والسجون المظلمة التي يعتبر داخلها مفقوداً والخارج منها مولوداً.