رقيب الإعلام
إن فتح أبواب الحرية هو الذي يحمي الكويت لا إغلاقها أو تضييقها، وإن المسؤولين في الدول التي اعتنقت حرية التعبير يرصدون آراء الناس ويقيمونها ليعيدوا النظر في برامجهم وتطورهم لتحقيق ما تصبو إليه شعوبهم، بل إن بعض الحكومات لديها وسائل تقييم مستمرة وبرامج متطورة لرصد آراء الناس ليس بقصد تتبعهم والرقابة عليهم إنما لفهم ما تريده شعوبهم.
لا أعرف من أين جاء رقيب وزارة الإعلام؟ وما إذا كان قد اكتشف مع حفريات آثار فيلكا أو قبلها؟ المؤكد أنه لا يعلم عن إعلام هذا العصر شيئاً، ولم يسمع عن وسائل الاتصال الحديثة واستخدامات الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعية، وانتقال المعلومات والصور ببن قارات الدنيا بلمح البصر، وأن كل ما ينشر في بقاع العالم يصلنا بلمسة زر على الكمبيوتر أو التلفزيون أو التلفون، وأن الصور أي صور تنتقل إلينا بسرعة البرق فور حدوثها.لا أعتقد أن رقيب الإعلام يدرك هذا وهو يتسلى بتلطيخ المجلات بالأسود؛ ليغطي القليل مما يظهر من صدر هذه أو فخذ تلك، أشك أن يكون لديه كمبيوتر، أو ذلك من المحرمات لديه؛ لأنه لو كان يستخدم أيا من الوسائل الحديثة لخجل من نفسه وهو يشوه المجلات، وقد ضحكت كثيراً وصفقت كفّاً بكف وأنا أشاهد كاريكاتيرا في إحدى المجلات وهو ملطخ بالأسود؛ مما أكد لي جدية حفريات فيلكا. الرقيب الآخر للإعلام هو ذلك الذي يرى بعين واحدة، ويبحث عن رضا الكبار من ناحية وتوجيهات مدعي الدين من ناحية أخرى، وينشط كثيرا قبل موعد معرض الكتاب، ويتحفنا بقوائم عديدة من الممنوعات من الكتب التي يظن أن الكبار من الطرفين سينزعجون منها. الغريب أن حجب هذه الكتب يتم بناء على اسم المؤلف وموقفه السياسي أو بسبب كتاب لم يعجب الرقيب نشر قبل عقد من الزمان، أو أن الجماعة لا ترضى عنه، وفي فترة ليست بعيدة منعت كتب وصودرت وأحيل روائي إلى المحكمة بتهمة الجرأة في وصف علاقة الرجل والمرأة، في حين يعاد نشر كتاب يصف العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وصفاً دقيقاً لمجرد أن المؤلف شيخ دين، ويباع في مكتبات الكويت وفي معرض الكتاب في السنوات العشر الأخيرة.هذه العقلية سادت منذ عقود ولم يوقفها دستور أو قانون أو هذا التطور الهائل في مفاهيم وممارسات حرية التعبير في العالم، هذه العقلية لا ترى أن المنع أكثر ضرراً من الإباحة، فالمنع والرقابة هما اللذان أديا إلى لجوء الناس لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير مرات بأساليب تعبر عن مدى الغضب والاستهجان من وسائل الرقابة، والخروج عن المألوف في بعض الأحيان ليوصلوا رسائلهم للجميع.قلت مرة وأكرر لعل أذناً تصغي: إن فتح أبواب الحرية هو الذي يحمي الكويت لا إغلاقها أو تضييقها، وإن المسؤولين في الدول التي اعتنقت حرية التعبير يرصدون آراء الناس ويقيمونها ليعيدوا النظر في برامجهم وتطورهم لتحقيق ما تصبو إليه شعوبهم، بل إن بعض الحكومات لديها وسائل تقييم مستمرة وبرامج متطورة لرصد آراء الناس ليس بقصد تتبعهم والرقابة عليهم إنما لفهم ما تريده شعوبهم والعمل على تطوير نظمها وأدائها، وإن إساءة استخدام وسائل النشر لا يمكن إيقافها بالشدة، بل إن الشدة تزيدها سوءاً، وإن فتح الأبواب وترك القراء والمستمعين ينتقدون بعضهم وترشيد لهجتهم هي الكفيلة بزوال الإساءات لا المنع ولا السجن، والكويت هي الخاسر الأكبر من تكميم الأفواه أو توجيهها للمديح فقط وإخفاء رؤوسنا تحت التراب.فهل تفتح وزارة الإعلام صالة للتحف الرقابية في متحف الكويت وتغلق كل دوائر الرقابة؟