مع قدوم الموسم الذي تعقد فيه الشركات العامة اجتماعاتها العمومية السنوية، هناك قضية واحدة ثابتة تتلخص في الافتقار إلى الحوار الحقيقي بين مسؤولي الشركات وعامة الناس، فبدلاً من الحوار النشيط والمناقشات الجادة بين المستثمرين، والمسؤولين التنفيذيين، والقوى العاملة، والمجتمع ككل، تبدو المحادثة وكأن كل طرف فيها يحدث نفسه، حيث تجلس مجموعة حول طاولة غرفة اجتماعات مجلس الإدارة، في حين تجتمع أخرى على مائدة المطبخ.

Ad

من الخارج، يرى المراقب غرفة اجتماعات مجلس الإدارة في كثير من الأحيان وكأنها فقاعة من نوع ما، حيث تتخذ القرارات الكبرى التي تؤثر على الآلاف من الأرواح بواسطة أشخاص بلا وجوه، ويُنظَر إلى هذه الفقاعات باعتبارها أماكن حيث توزع المكافآت الضخمة على كبار المسؤولين التنفيذيين وتتم المساومات، وتشكل شبكات الكبار أهمية أكبر من الجدارة أو العمل الشاق، ومع مطالبة الناس خارج غرفة مجلس الإدارة على نحو متزايد بمساءلة أولئك الذين في الداخل وتحميلهم المسؤولية عن أفعالهم، أصبح فتح سبل التواصل الآن يشكل أهمية بالغة لنجاح الشركات في الأمد البعيد.

وستكون إحدى السمات المهمة لهذا التحول إدراك كبار المسؤولين التنفيذيين حقيقة مفادها أنه لم يعد بوسعهم تفنيد الانتقادات بالعبارة الدفاعية "أنتم لا تفهمون شيئا"، فعندما قال جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان تشيس إنه لا يتصور أن النائبة الأميركية إليزابيث وارين "تفهم النظام المصرفي العالمي بشكل كامل"، استشاط كثيرون غضباً إزاء غطرسة تصريحه، وقد أثارت كلماته شعوراً أوسع نطاقاً بأن المسؤولين التنفيذيين منفصلون عن الواقع وغير قادرين، أو غير راغبين في الرد على الأسئلة الصعبة بإجابات صادقة.

في غياب الحوار الحقيقي حول قضايا مثل التفاوت في الأجور، والمسؤولية الاجتماعية للشركات، وخصوصية البيانات، وثقافة المكافأة التي لا يبدو أنها تقدم الحوافز المناسبة للعمل الشاق أو معاقبة الفشل بالقدر المناسب، يصبح من المضمون أن تتضاعف المخاوف وتنعدم الثقة، ويتغذى الافتقار إلى الشفافية، وغياب الوضوح، وندرة الأجوبة، على تصور مفاده أن الشركات كثيراً ما تنخرط في تعاملات مراوغة ولا تستحق الثقة، والأمر الأسوأ على الإطلاق هو أن انقطاع التواصل يحرم أولئك المحيطين بطاولات مجالس الإدارة وموائد المطبخ من الفرصة لإدراك أنهم يتحدثون عن مشاكل مماثلة، ويتقاسمون رغبة مماثلة في التوصل إلى حلول لهذه المشاكل.

إن كبار المسؤولين التنفيذيين ورؤساء مجالس الإدارات لابد أن يفكروا في أولئك الذين يتفاعلون معهم باعتبارهم أشخاصاً يتحدثون معهم وليس إليهم، فالقادة الذين يجيدون الحديث مطلوبون، ولكن القادة القادرين على الإنصات أفضل منهم، وينبغي للمسؤولين التنفيذيين في عالم المال والأعمال أن يدركوا أنهم إن لم يتمكنوا من تفسير قراراتهم بطرق يستطيع المستثمرون والقائمون على التنظيم والعمال والمستهلكون أن يفهموها، فإن هذا يجعل منهم هم- وليس الناس الذين يتحدثون معهم- المشكلة.

عندما يرغب مستثمرون ناشطون في إلقاء نظرة على شركة ما، فلا ينبغي لغريزة غرفة اجتماعات مجلس الإدارة أن تركز على الدوران حول العربات واستدعاء المستشارين لخوض المعركة، بل يتعين على مجالس الإدارات والفرق التنفيذية أن تسأل نفسها لماذا أصبحت شركتها هدفاً وما إذا كانت هناك مخاوف مشروعة ينبغي معالجتها؟

وتوفر الاجتماعات العامة السنوية فرصة مثالية لطرح الأسئلة الصعبة، وهي فرصة ينبغي للمستثمرين وأفراد المجتمع أن يحرصوا على عدم إهدارها، ففي اجتماع شركة ياهو السنوي مؤخرا سُئِل أعضاء مجلس الإدارة عن مجموعة واسعة من القضايا؛ ولكن باستثناء سؤال أو اثنين عن شركة علي بابا، تصدى قِلة منهم لأي من القضايا الحقيقية التي تواجه الشركة اليوم.

فقد وجهت إلى الرئيسة التنفيذية للشركة ماريسا ماير عِدة أسئلة مثل: لماذا أزيل رمز "الخط السفلي" من خيارات التنسيق في بريد ياهو؟ ولماذا تكثر الرسائل البريدية المزعجة في بريد ياهو للتمويل؟ وإذا كان لشركات مثل ياهو أن تستفيد من مناسبات كهذه، فينبغي للأفراد والمستثمرين المؤسسيين على حد سواء أن يطرحوا أسئلة حقيقية عن الأعمال في المنتدى المفتوح للاجتماع السنوي العام بدلاً من بث مخاوفهم وهمومهم وراء الأبواب المغلقة.

ولكن لكي تكون المحادثة فعّالة حقا، فلابد أن تستمر بين الاجتماعات السنوية، ويتعين على قادة الأعمال الأذكياء أن يعملوا على توفير فرص متكررة لتبادل الأفكار والتعبير عن المخاوف، ولا بد من هدم الصوامع وتفجير الفقاعات، وبناء الجسور محلها، والمسؤولون التنفيذيون الناجحون في الغد هم أولئك الذين يغتنمون الفرصة للمشاركة في محادثة حقيقية واستخلاص الحكمة من جماهير الناس.

لوسي ماركوس | Lucy P. Marcus

* مؤسِّسة شركة ماركوس للاستشارات الاستثمارية ورئيستها التنفيذية، وأستاذة القيادة والإدارة في كلية IE Business School، ومديرة وعضوة مجلس الإدارة غير التنفيذية لشركة Atlantia SpA.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»