الواقع أن موقف الفكر الديني الحركي وأيديولوجية الإسلام السياسي إزاء المرأة في المجتمع الذي تصورته الحركات الإسلامية الشيعية والسنية، ولا تزال، لم تشكله الهفوات وردود الفعل، كما تصور البعض يومذاك في إيران، إذ كان قد امتلأ بالتفاصيل العقائدية لدى السنة والشيعة قبل عام 1979، وبخاصة مع الانطلاقة الجديدة للتيار الديني بعد عام 1967، وبعد تشجيع بعض الحكومات للتيار لأهداف مختلفة. وإذا كانت ثورة إيران الإسلامية قد فرضت الحجاب على كل أنثى تقريباً بالإكراه، فإن أحزاباً إسلامية مثل الإخوان المسلمين أو حزب التحرير أو الجماعات السلفية أو المجموعات الجهادية المقاتلة مثل "داعش" و"القاعدة"، ليست أقل تردداً في ذلك الحجاب الإجباري، وقد أبدت نساء إيران اعتراضهن على سياسة الإكراه واشتركن في المظاهرات المعارضة للحجاب الإجباري، غير أن السلطات استعانت بجماعات "حزب الله" الإيرانية في إنهاء هذه الاعتراضات، وتم عملياً تحطيم الحركة النسائية الإيرانية.

Ad

احتج الصحافي حسن الزين بأن المظاهرات التي جرت في إيران بعد الثورة ضد الحجاب لم تكن تعبيراً صحيحاً، لأن الثورة كانت تهددها الأخطار، كما أن تلك المظاهرات لم تكن ضد احتمالات واردة ضد المرأة، مما يجعلها نوعاً من التآمر مع القوى الخارجية، وبخاصة أن "الإسلام يحمل بذور الأيديولوجية الوحيدة التي تساوي بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق".

وأضاف: "الإمام الخميني لم يصرح بشيء حول الحجاب، لقد نصح بالاحتشام. إنها الدعاية الغربية تصنع من هذا الأمر قضية".

واقتبس الزين كذلك بعض ما جاء على لسان "جمعية النساء الإيرانيات" في طهران، كما قال رداً على استفسارات قدمتها بعثة "الاتحاد العالمي لحقوق المرأة" التي زارت طهران في الأسبوع الأخير من مارس 1979، حيث قالت الجمعية: "ليس لذلك أهمية عندنا تذكر، بعد أن جربنا التشريعات الغربية الحديثة، نريد العودة إلى الإسلام، لأنه يعطي الأفضلية للعلاقات الفكرية على علاقات الجسد والجنس، إن المرأة والرجل يتممان بعضهما"، وقد تنبأ حسن الزين في مجال المرأة بأمر وقع في الواقع عكسه! قال: "إذا كان فرض الحجاب غير وارد في المجتمع الجديد، وإذا كانت حقوق المرأة مقدسة في نظره - أي قائد الثورة- وإذا كان من سيحارب هو المنكر والبغي، فليس في ذلك مس لحقوق المرأة أو الرجل في شيء".

وقد نتساءل: هل استطاع الحكم الديني والجد المحافظ والتشدد الاجتماعي وغير ذلك من إجراءات في المنزل والمدرسة والإعلام والمسجد، القضاء على المنكر والبغي والانحرافات الأخلاقية في الجمهورية الإسلامية بعد أكثر من ثلاثين سنة من الحكم، أو حتى الحد منه، ناهيك عن أن ينجح هذا الحكم في بناء إنسان إيراني جديد، رجالا ونساء؟

هذا ما يحتاج إلى مقالات أخرى، ودعنا الآن ننظر في بقية الفصل الذي كتبه حسن الزين في كتابه عن الثورة الإيرانية، كان أول رئيس للوزراء بعد الثورة، السيد مهدي بازركان، بين من أشار الزين إليهم واقتبس كلامهم. إن من أهم حقوق المرأة، يقول بازركان في تصريح له بتاريخ 29/ 3/ 1979، بعد شهر من نجاح الثورة، "يتمثل في حقها في الحصول على زوج، وأن تكون أماً، وظيفتان فقط يمتنع عليها ممارستها، لن تكون قاضياً ولا إمام مسجد.

تحدث الصحافي كذلك عن الأجواء الثورية في طهران قبيل استقالة حكومة "شاهبور بختيار"، آخر رئيس وزراء في الحكومة الملكية، والذي حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن عبث الشاه وأعوانه بمصير إيران وشعبها، وقد اغتيل بختيار لاحقاً في باريس عام 1991.

أفكار رجال الثورة، كما جاء في مجلة "نوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية، يقول الزين، تنتشر في إيران بكثافة مذهلة قبل انهيار حكومة بختيار، ومن أجلها، من أجل هذه الثورة وأفكارها، ينشأ هذا القتال الضاري، وتشاهد أمهات يتحدثن قائلات: "مات لي ولدان في هذه الثورة وإني مستعدة للتضحية بابني الثالث بكل سرور"، وفتاة شابة تقول "حتى لو كان بختيار غير مذنب، فلسنا مستعدين لقبوله، إنه الماء الفاتر ونحن اللهب المستعر".

هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة، والذكر والأنثى؟ نعم في بعض الجوانب الإنسانية والإيمانية، ولا في جوانب أخرى معروفة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية وكتب الفقه، يعرفها الجميع، وتفيض بها كتب الشريعة الإسلامية. ولا شك أن الحماس الثوري والرغبة في منافسة الدعوات الأخرى هي التي جعلت الأستاذ الزين يعتبر "الإسلام يحمل بذور الأيديولوجية الوحيدة التي تساوي بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق"، فنحن لا نجد هذه المساواة المطلقة إلا في القوانين الدولية المتعلقة بحقوق المرأة وعدم التمييز ضدها، وهي قوانين ترفضها الدول الإسلامية والحركات الإسلامية والجمهورية الإسلامية.

ومن حق نساء إيران وكل نساء العالم العربي والإسلامي "العودة" إلى الإسلام، بعد أن أوهمهن الإسلام السياسي وكتبه ومنشوراته أنهن لسن مسلمات، ولكن العودة إلى الإسلام شيء، وإجبار كل امرأة وطفلة على الحجاب، كما تفعل إيران أو تطالب به جماعات التشدد الديني والإسلام السياسي العربية أمر آخر، كما لا يمكن للإسلام أن يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل ويجيز إجبارها في الوقت نفسه.

هل برهن مرور كل هذه السنوات التي قاربت الأربعين على الثورة، وكل ذلك القمع والإجبار والملاحقة، على صواب "السياسة النسائية الإسلامية"، وهل أصبح الدافع للحجاب في إيران ذاتياً، والاختيار بيد المرأة كما هو الأمر في بقية العالم الإسلامي؟ كلا بالطبع، نشرت صحيفة "الجريدة" عن صحيفة غربية، أن إيران "تغيرت اليوم بشكل جذري في مدن أكثر ليبرالية مثل شيراز وأصفهان، يمسك الطلاب الشباب بأيدي بعضهم بعضا في الأماكن العامة، وتُرجع النساء الحجاب الإلزامي بشكل يبقي شعرهن ظاهراً، السياح مرحب بهم في أنحاء البلد، ويتم التعامل معهم بأقصى درجات الضيافة، ورغم استمرار مظاهر التمييز ضد المرأة حتى الآن، حيث تحرمها القوانين حق الطلاق والوصاية على أولادها، كما تنص على البدء بملاحقتها قضائياً اعتباراً من سن التاسعة، بينما يرتفع هذا العمر إلى 15 عاماً بالنسبة إلى الفتيان، رغم هذا تعيش المرأة وسط جو من الحرية هناك أكثر من بلدان كثيرة في المنطقة، وبفضل أطباق الأقمار الصناعية غير الشرعية التي يسهل تركيبها في كل مكان، يستطيع الناس أيضاً مشاهدة البرامج الإخبارية الغربية، باستثناء إسرائيل، ما من بلد آخر في الشرق الأوسط يكنّ هذا الكم من المشاعر الإيجابية الواضحة تجاه الغرب بقدر إيران". (30/ 4/ 2015).

كتاب "الثورة الإيرانية في أبعادها الفكرية والاجتماعية"، لم يخل من ملاحظة ذكية تقول إن "التقدم الذي يفرض فرضاً ولا يقوم على الاقتناع والمنطق يؤدي إلى تفاعلات اجتماعية تعرقل حركة التفاعل الحضاري".

ويقتبس من أقوال لقائد الثورة جملة تستحق التأمل في ضوء تعثر مسيرة التجربة الإيرانية: "إن العبادة من غير قيم، كالحق والعدل والحرية والكرامة للإنسان، مساس بجوهر الرسالة الإلهية".

الانصياع، رغبة أو رهبة، لأوامر "الشرطة الأخلاقية" أو جماعات "حزب الله" في إيران وفرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بتغطية الشعر ولبس الحجاب وإلغاء الحرية الشخصية، تجبناً للعواقب البدنية أو السجن، تلخصها كلمتان باللغة الفارسية تدلان على الوضع اللا معقول للمرأة الإيرانية بعد أربعين سنة من سيادة "النظام الإسلامي"، هاتان العبارتان هما "ياروسري.. ياتوسري" يعني بالكويتي: "تغطين الرأس.. أو تنضربين على الرأس"! والإيرانية بالطبع، مهما كان دينها أو مذهبها... حرة في هذا الاختيار فقط.