ما قل ودل: على هامش فاجعة الجامع الصادق

نشر في 12-07-2015
آخر تحديث 12-07-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام استطاعت جماعات التكفير أن تسوق للشاب الانتحاري وأمثاله تبريرا ضالا، وهو تأويل الآية الكريمة التي تنهى عن قتل النفس ظلما وعدواناً، بأن قتله لنفسه لم يكن ظلما وعدوانا؛ لأن غايته النبيلة هي إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق شرع الله في هذه المجتمعات الكافرة.

مصر والكويت والإرهاب الأسود

تناولت من بين ما تناولته في مقال الأحد الماضي تحت هذا العنوان كيف حولت جماعات التكفير وجماعات الدعوة إلى دولة الخلافة الإسلامية من كان إنساناً قبل يوم الجمعة الحزين إلى حيوان بلا عقل، بلا قلب، بلا مشاعر، بل حيوان لا نظير له في أي غابة في شراسته.

ولعل ما استوقفني ما قرره سائق السيارة التي أقلت الانتحاري إلى مسجد الإمام الصادق، ليرتكب جريمته البشعة، من أنه كان هو المكلف بالعملية الانتحارية، إلا أنه اعتذر عن القيام بها قبل يوم ارتكابها، لأن إيمانه لم يكن قد اكتمل بعد، وهو ما ألزمني أن أفرد هذا المقال لمزيد من بحث هذه الظاهرة.

إيمان الانتحاري آلة القتل البشرية

يقول سبحانه "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ".

فكيف تجرأ القاتل الآثم، آلة التفجير البشرية التي تسللت إلى مسجد الصادق يوم الجمعة الحزين ليقتل المصلين وهم سجود، وقد وصفهم المولى عز وجل بالمؤمنين؟ وكيف برر السائق الآثم اعتذاره عن القيام بهذه الجريمة البشعة، بأن إيمانه لم يكن قد اكتمل بعد، فسبقه إلى تفجير نفسه في المسجد من كان قد اكتمل إيمانه، وفقا لفكر الإرهاب الأسود الملطخ بالدماء وإزهاق الأرواح؟!

أما القاتل الذي قام بتفجير نفسه فقد أصبح بقتل نفسه- وهو الذي اكتمل إيمانه- كافراً مأواه جهنم وبئس المصير لقوله تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً".

كما أن قتله لنفسه، يكشف عن نفس مريضة أصابها اليأس والقنوط، وتجردت من الإيمان، لأن المؤمن لا يعرف اليأس لقوله سبحانه "إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، ولكن جماعات التكفير استطاعت أن تسوق لهذا الشاب ولأمثاله تبريرا ضالا، هو تأويل للآية الكريمة التي تنهى عن قتل النفس ظلما وعدواناً، بأن قتله لنفسه لم يكن ظلما وعدوانا لأن غايته النبيلة هي إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق شرع الله في هذه المجتمعات الكافرة.

لذلك فإن الله سوف يضاعف من عذاب هذا القاتل الآثم لأنه بتكفيره لهؤلاء المصلين وهذه المجتمعات يكون قد تدخل في سر بين العبد وربه، وهو الإيمان الذي لا يطّلع عليه إلا الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

بأي ذنب قتلوا؟!

يقول سبحانه وتعالى "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ". ويقع القاتل الآثم في إثم عظيم بقتل طائفة من المؤمنين، لم يثبت على أحد منهم أنه ارتكب جرما أو إثما يستحق أن يقام عليه الحد في الشريعة الإسلامية لأن العقوبة فيها شخصية، فلا يسأل هؤلاء عما يقع في المجتمعات من كبائر أو موبقات، فهي لا تصيب إلا الجاني ولا تتعداه إلى غيره، لقول المولى عز وجل "وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"، ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام "ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه"، ولقول المولى عز وجل: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا"، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام "لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا".

إلا أنهم وقد كفروا المجتمع لا يرون فيمن يسفكون دماءهم في هذه المجتمعات التي كفروها مؤمنا؛ لأن كل من لا يبايع أميرهم فهو كافر، ولكن تحريم قتل النفس بغير حق، قد ورد عامّاً ومطلقا، ولم يقصره الإسلام على قتل المسلم، بل قتل النفس البشرية لقوله سبحانه "مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً".

ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاما". وقوله صلى الله عليه وسلم "من قتل نفسا معاهدا لها ذمة الله وذمة رسوله"، ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".

الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة

إنه غسل المخ الذي تباشره جماعات الدعوة إلى الخلافة الإسلامية وتكفير المجتمع على شبابنا، بل على شباب العالم من المقاتلين الأجانب في صفوف "داعش" وأخواته من الجماعات المتطرفة، وفي تقرير لخبراء الأمم المتحدة فإن أكثر من 25 ألف مقاتل من أكثر من 100 دولة هربوا من بلادهم لتحقيق حلم الخلافة الإسلامية، والسراب الذي ينتظره بعض المغامرين لقيام هذه الدولة على أنقاض مجتمعاتنا التي كفروها، والتي استباحوا دماء شعوبها لينفردوا بثروات دول الخليج والدول العربية الأخرى، فهم يضعون في سلم أولوياتهم المدن التي فيها آبار من النفط، وهو ما حدث في العراق وليبيا، وبعضهم نفوس يائسة مريضة قد أضناها الفقر والبحث عن عمل، وأخرى تبحث عن العدل، في عالم مليء بالجور والظلم.

وفي سياق الدعوة إلى دولة الخلافة فإن كل الموبقات وكل ما حرمه الله قد أصبح مباحاً، بل فريضة من فرائض الدعوة، والسؤال المطروح في هذه الظاهرة هو: لماذا اختلف الإيمان في هذا الزمان؟ وما الإيمان الحقيقي؟ وكيف نواجه هذه الظاهرة وهو ما سنجيب عنه في مقال قادم بإذن الله.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top