من حق المواطنين أن يحصلوا على خدمات صحية متطورة وراقية وذات جودة عالية للمواطنين، ولكن لا يجوز أن يتم ذلك من خلال تبني سياسات قصيرة المدى ذات طابع عنصري محظور دوليا، كقيام وزارة الصحة بتخصيص «مستشفى جابر» للكويتيين فقط، لأنه يتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ومع الدستور.
عندما يغيب العمل المؤسسي في الدولة تغيب معه السياسات العامة الفاعلة، وتطغى على العمل الحكومي الاجتهادات والآراء الفردية التي تكون عُرضة للتغير نتيجة لتغيير المسؤول أو بمجرد تغّيُر مزاجه الشخصي، ومن نتائج غياب العمل المؤسسي أيضا غياب تكافؤ الفرص المبني على مبدأي الكفاءة والجدارة، وبالتالي يتولى المسؤولية العامة، في أغلب الأوقات، أشخاص ليس لديهم سابق معرفة، ولو بسيطة، بكيفية إدارة الشأن العام، وصياغة السياسات واتخاذ القرارات العامة، إذ إنهم وجدوا أنفسهم فجأة، ولاعتبارات شخصية لا موضوعية، في سلطة اتخاذ القرار.ولهذا فإن معظم قراراتهم لا تُتخذ باعتبارها جزءا من سياسة عامة للدولة، بل تكون قرارات فردية تأتي مُرتبكة وغير واضحة، وأحيانا يتم التراجع عنها بسرعة وبطريقة مضحكة، ناهيكم عن أن بعض القرارات العامة تتخذ نتيجة حسابات مصلحية آنية، أو صراعات في الدائرة الضيقة التي تحتكر سلطة اتخاذ القرار، فنجدها تضع الدولة في حرج أمام المنظمات الدولية لأنها قرارات تتناقض مع ما يجب أن تلتزم به، أي الدولة، باعتبارها جزءا من المنظومة الدولية التي تحكمها اتفاقيات دولية واجبة التطبيق على المستوى المحلي.حصل هذا في قطاعات حكومية كثيرة ومن ضمنها قطاع الرياضة، الذي شهد ولا يزال صراعا محتدما تحكمه المصالح والنفوذ السياسي، فترتب عليه القرار المؤسف الصادر مؤخرا عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والذي ينص على إيقاف الاتحاد الكويتي لكرة القدم مما يعني عدم مشاركة الكويت في البطولات الخارجية والمحلية، كما أن ذلك قد يحصل في حالة قيام وزارة الصحة بتخصيص "مستشفى جابر" للكويتيين فقط، وذلك لأن سياسة التمييز العنصري حسب الجنسية تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ومع الدستور، علاوة على تعارضها مع اتفاقيات دولية وقعت عليها الكويت وأصبحت مُلزمة بتطبيقها. لا جدال إطلاقاً أن من حق المواطنين أن يحصلوا على خدمات صحية متطورة وراقية، ولكن معالجة الفشل في تقديم خدمات صحية متطورة وذات جودة عالية للمواطنين لا يتم من خلال تبني سياسات قصيرة المدى ذات طابع عنصري محظور دوليا، بل إن ذلك يتحقق من خلال الإصلاح السياسي والديمقراطي الشامل ثم إصلاح إدارة الخدمات الصحية وتطويرها بشكل جذري، ومعالجة الأسباب الرئيسة التي سببت خللا كبيرا في التركيبة السكانية لمصلحة الوافدين، وأدت، بالتالي، إلى ضغط كبير على الخدمات العامة ومن ضمنها الخدمات الصحية (معظم الوافدين يعملون في القطاع الخاص ومن المفترض أن يتحمل تكاليف علاجهم عن طريق التأمين الصحي، كما يجب محاسبة تجار الإقامات وتحميلهم تكاليف علاج العمالة التي استقدموها من الخارج).أما ذريعة وجود قرارات عامة أخرى سابقة ومعيبة تُميّز عنصريا بين الناس فهي ذريعة ساقطة أخلاقيا ولا تبرر اتخاذ قرارات جديدة ذات طابع عنصري، لا سيما أن الحديث هنا هو عن حق إنساني أساسي وحاجة ضرورية من الدرجة الأولى تتعلق مباشرة بحياة البشر من دون تمييز، وعن مستشفيات عامة تقدم خدمة عامة لجميع الناس. في بريطانيا، على سبيل المثال، يعتبر العلاج الصحي مجانيا للجميع من دون تمييز بحسب الجنسية، أما في أميركا وبالرغم من أن القطاع الخاص هو الذي يقدم الخدمات الصحية وهذا يتطلب وجود تأمين صحي، ولكن ليس هناك مستشفيات خاصة للأميركيين وأخرى لغيرهم، إذ لا تمييز في تقديم الخدمة الصحية على حسب الجنسية.
مقالات
الخدمات الصحية وسياسة الفصل العنصري
19-10-2015