عندما سألوا إحدى الشهيرات عن مراكش قالت: مدينة الرائحة واللون!

Ad

مدينة تستحم طوال اليوم في العراء بماء الزهر!

تلك الرائحة التي تشمّها في كل شيء في تلك المدينة، وتجدها قبل ذلك أصيلة في نفوس الناس. أهل مراكش طيبون جداً، وقلوبهم كأنما هي الحقول التي تجعل المدينة تتوضأ بماء الزهر لا الورود التي تنبت في الأرض.

أناس يشبهون إلى حد كبير العم مصطفى والحاج إبراهيم، شخصيات لها روح كالزجاج النقي تقرأ من خلفها نفوساً راضية مطمئنة غنية بالإيمان!

هدوء مراكش يعيد إصلاح الجسور الخشبية المحطمة بينك وبين نفسك، هدوء لا يعرف الوحشة، بل سكينة تمنحك إما الحلم أو فرصة للسلام مع ذاتك، بفعل مناخ روحاني تتنفسه رئتا تلك المدينة، ذلك المناخ الذي يتنفسه أهلها فانعكس في طباعهم، وفي تعاطيهم مع الدين حتى في حديثهم الذي يقتاتوه طازجا كل يوم: «تبارك الله»، «الله يرحم الوالدين»... كلمات كهذه لا تكاد تجف في لساني العم مصطفى والحاج إبراهيم كحال بقية الناس في مراكش، كلمات يرددها البسطاء من الناس في هذه المدينة بجمل بسيطة لا يميزها سوى أنها نابعة من قلوب تتوضأ بماء الزهر، ذلك الذي رائحته تدلّل الأنف، بنفس القدر الذي تدلل فيه تلك المدينة العين!

بيوتها التي تتوشح خمارها الأحمر بلون الطين غارقة في اللون الأخضر، وكأنما المدينة فتاة احمر وجهها خجلاً من غزل النخل الباسق الذي يحاصرها، ويسكن كل زاوية فيها، وهما معاً محاصران بصمت لونه يشبه لون الصخر، وسماء ناصعة الزرقة، تطرزها قطع متدرجة من اللون الرمادي الداكن إلى البياض، لتشكل هذه الألوان في مجملها لوحة تدلل العين عند النظر إليها!

والمدينة أيضا تدلل حاسة الذوق ليس فقط من خلال الأكلات الشعبية «كالطنجية» و»البسطيلة» بل أيضاً عبر اختلاف مذاق نهارها عن مذاق ليلها! طعم نهار مراكش يختلف عن طعم المساء فيها، فالفرق في درجة الحرارة بينهما لا يقل عن عشر درجات مئوية في أي يوم من الأيام، وقد يصل إلى الضعف أحيانا، فيحدث أن تعيش فصلين في يوم واحد، مما يساعد على كسر إيقاع اليوم حتى لا تصاب بالملل.

أما دلال المدينة للسمع فيمكن اختصاره في آلة «الأوتار»، تلك الآلة الوترية الشبيهة بالعود، إلا أنها أكبر حجماً وأكثر ضخامة، وإذا ما لامس العازف أوتارها يخرج صوتها كأنما من بين الضلوع في الوقت الذي تحسب أن الأرض تتنفّسه، يكفيك هذا دلالاً لمسمعك، فضلا عن موسيقى الفن المغربي المتنوع، كالفن «الأمازيغي» و»القناوي»، والتخت الشرقي الأصيل وأغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وأصوات جميلة تتغنى تحت قبة ليل مراكش، يشاركها تحت ذات القبة «السالسا» و«السامبا» البرازيليتان، إضافة إلى مختلف الفنون العالمية، ويزيد الدلال لحاسة السمع أن الطيور في مراكش لا تغرد صباحاً وفي النهار فحسب، بل في الليل أيضاً، فبعض الطيور يمكنك سماع تغريدها في المساء ويساعدك في ذلك سكينة ليل لا تسمع فيه سوى صوت الطبيعة!

أما ما تلمسه الروح من سكينة في تلك المدينة فيفوق كل دلال لحاسة اللمس!

هذه مراكش مدينة تدلل حواسك الخمس، وحواس أخرى لديك ستتعرف عليها أول مرة!