لا غرابة في أوضاع كأوضاع سورية أن ينتحل تنظيم اسم تنظيم آخر، أو "يختلق" جهاز مخابراتي اسم تنظيم أو منظمة، ويطلقه على تنظيم ثان لتشويه الأصيل والحقيقي، لكن أن تقدم روسيا، الدولة الكبرى، التي  ليست بحاجة إلى مثل هذه الألاعيب، على أن "تسْرق" اسم الجيش السوري الحر وتعطيه لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو، كما يقال، مجرد فرع لحزب العمال الكردستاني – التركي الذي أسسه عبد الله أوجلان السجين حالياً في أحد سجون إحدى الجزر القريبة من إسطنبول التركية، فذلك هو المستغرب.

Ad

 ولعل ما يدعو إلى الاستغراب كذلك أن هناك تناقضاً بالنسبة لهذا الأمر بين وزارة الدفاع الروسية، التي قالت إنها تدعم وتسلح وتمول الجيش السوري الحر، الذي يشكل الجناح العسكري الرئيسي للمعارضة السورية (المعتدلة)، وبين "الكرملين" الذي نفى هذه المعلومات التي أكدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين... وهنا فإن المثل يقول:

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

 الجيش الحر نفسه بادر، بعدما أثارت التصريحات الروسية حول هذا الأمر ضجة غير مفتعلة والكثير من التساؤلات، إلى إصدار بيان قال فيه إنه لم يتلقَّ من الروس إلا القصف المدفعي والصاروخي وقصف الطيران على معظم المناطق التي يوجد فيها... وحقيقة فإن هذا هو الصحيح، إذْ لا يمكن أن يصدق كل من في رأسه "ذرة" من العقل أن روسيا تُقدِّم إلى هذا التشكيل العسكري السوري المعارض الذخائر والأسلحة والمساعدات، وفي الوقت نفسه تصب عليه جام غضبها وتستهدفه أكثر كثيراً من استهدافها لـ"داعش" و"النصرة" وكل ما تعتبره تنظيمات إرهابية.

 في التجربة الفلسطينية، المُرَّة فعلاً، المعروف أن العراق (الرسمي) في عهد صدام حسين احتضن صبري البنا (أبو نضال)، الذي كان عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" ومدير مكتبها في بغداد، وشكل له تنظيماً أعطاه، من أجل المشاغبة على حركة "فتح"، اسم حركة "فتح" المجلس الثوري، تناغم معه بعض رموز الصف الثاني من القياديين في هذه الحركة التي هي من أطلق الثورة الفلسطينية في عام 1965... ولا حاجة هنا لذكر الأسماء إذ لا تجوز على الأموات إلا الرحمة!!

 ولاحقاً كانت هناك محاولة انشقاق في "فتح"، يقال إن المخابرات السورية افتعلتها رداً على رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) التوجه إلى دمشق بعد حصار بيروت في عام 1982 واختيار تونس مقراً له ولمنظمة التحرير، وكان الاسم هذه المرة: حركة "فتح"... الانتفاضة. وأيضاً لا حاجة لذكر الأسماء ولا تجوز على الذين غادروا هذه الحياة الفانية إلا الرحمة.

 أما المرة الأخيرة فإن "مصنع" المنظمات والتنظيمات الإرهابية في المخابرات السورية قد اخترع بعد الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 بفترة شيئاً اسمه: "حركة فتح – الإسلام" بالانطلاق من أحد المخيمات الفلسطينية في منطقة طرابلس اللبنانية، لكن تلك المحاولة لم تحقق النجاح المرتجى والمطلوب منها، مع أنها أثارت إشكالات كثيرة خاصة بعد سلسلة الاغتيالات التي ضربت لبنان، وأولها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بالطريقة المرعبة المعروفة.

 ولذلك فإنه لا غرابة في أن تلجأ روسيا إلى "سرقة" اسم الجيش الحر وإعطائه لتنظيم آخر، وما دام أنه موال للنظام السوري فإنه بالتأكيد موال لها، فالأيام المقبلة تحمل مفاجآت كثيرة، وهناك على الطريق صفقات ومساومات وبيع وشراء واختلاط أوراق وأسماء وألاعيب مقبلة كثيرة!!