هل تصدق الأرقام الرسمية حول تباطؤ الاقتصاد الصيني؟

نشر في 31-10-2015
آخر تحديث 31-10-2015 | 00:01
No Image Caption
الشكوك حول الأرقام الصينية في ازدياد، ما يجعل من الصعب كتابة تحليل نزيه عنها من دون إرفاقه بتوضيح ما هو موثوق وما هو غير موثوق، وعلى ذلك فمن المنطقي النظر إلى أحدث الأرقام الصينية من منظورين، أولهما ما أعلنت حكومة بكين، والآخر ما يجب أن نصدقه.
 إيكونوميست بالنسبة إلى معظم الدول سيكون من المؤثر تحقيق نمو مرن عندما يتوقع المستثمرون حدوث تباطؤ مفاجئ، لكن الوضع في الصين مختلف. ويعتبر إعلانها عن نمو اقتصادها بنسبة 6.9 في المئة في الربع الثالث – وهي اقل من وتيرة الربع الثاني التي بلغت 7 في المئة – مجرد مادة دعائية لمواجهة الشكوك حول معلوماتها، وتزداد الشكوك المتعلقة بالأرقام الصينية بحيث يصبح من الصعب كتابة تحليل نزيه عنها من دون ارفاق ذلك بتوضيح حول ما هو موثوق وما هو غير موثوق. ومن هذا المنطلق فإن من المنطقي النظر الى أحدث الأرقام الصينية عبر جزئين هما الشيء الذي اعلنت حكومة بكين عنه والشيء الذي يتعين أن نصدقه.

المعلومات الرسمية مثيرة للإعجاب حقاً، وخاصة في ضوء تغطيتها لفصل كان القلق من الاقتصاد الصيني واسع الانتشار الى حد كبير، وقد بدأ شهر يوليو الماضي بفوضى واضطراب في سوق الأسهم انتهى الى هبوطه بنسبة 40 في المئة عن مستويات الذروة التي بلغها في وقت سابق، وتسببت المحاولات الفاشلة من جانب حكومة بكين لرفع أسعار الأسهم في تشويه سمعتها المتعلقة بأهليتها التكنوقراطية، كما أضاف الخفض الطفيف في قيمة اليوان الصيني خلال شهر أغسطس المزيد من الشعور بأن اقتصاد الصين كان يواجه المتاعب، فضلاً عن أن سلسلة من الدراسات أشارت الى حدوث انكماش في قطاع التصنيع.

وعلى خلفية الصورة القاتمة يعتبر النمو الذي بلغ 6.9 في المئة أداء متميزاً تماماً وقد يكون في الوقت ذاته الربع الأبطأ في الصين منذ سنة 2009 والذي أعقب الأزمة المالية العالمية، ولكن الاقتصاد يبلغ في الوقت الراهن مثلي ضخامة ما كان عليه في تلك الفترة، وتساعد عملية اعادة التوازن التدريجية والثابتة لنموذج النمو في تفسير الأرقام القوية والراسخة، وكما يمكن لمصدري السلع التأكيد فإن مصانع الصين تكافح من أجل الحفاظ على مستويات الانتاج، وقد توسع القطاع الصناعي بنسبة 5.8 في المئة محسوبة على أساس سنوي في الربع الثالث، وهو ما يقارب أضعف مستوى في أكثر من عقدين من الزمن، ولكن الصين تتغير فقد توسع قطاع الخدمات بنسبة بلغت 8.6 في المئة محسوبة على أساس سنوي في الربع الثالث ما يضاهي أقوى نمو للصين منذ عام 2011، وينطوي ذلك على أهمية لأن الخدمات – خلال السنوات القليلة الماضية – كانت تشكل أكبر حصة في الاقتصاد وتتخطى مستويات الصناعة.

ويمكن مشاهدة الانتقال أيضاً في التباطؤ المستمر في ميدان الاستثمارات مقابل زيادة اكبر في الاستهلاك القوي، وقد ارتفع إجمالي الاستثمارات بنسبة 10.3 في المئة محسوبة على أساس سنوي خلال الأشهر الأولى من هذه السنة، وكانت الأدنى في 15 سنة. ولكن مبيعات التجزئة وصلت الى نمو بلغ 10.8 في المئة على أساس سنوي في سبتمبر الماضي، وحقق أعلى مستوى في سبعة أشهر. وأسهم سوق العمل الجيد في دعم عملية إعادة التوازن هذه، كما أن نمو الدخل تحسن بصورة طفيفة في الربع الثالث وتسارع ليصل الى 7.7 في المئة على أساس سنوي.

مصداقية الأرقام

ولكن ما مدى مصداقية هذه الأرقام؟ ويمكن تصنيف المحللين الذين يشككون في تلك الأرقام ضمن فريقين: الفئة التي تظن أن أرقام الصين هي مجرد فبركة وغير صحيحة تخفي حالة الاقتصاد القاتمة والحقيقية، والفئة التي تظن أن أرقام الصين تهدف الى تزيين وزخرفة وتضخيم معدلات النمو ولكنها تمثله بصورة ما، وتميل كفة الميزان الى الفئة الثانية.

ويركز القسم الأكبر من التشكيك في معلومات وأرقام الصين على طائفة من المؤشرات التي عملت في الماضي على شكل مقاييس ملائمة للاقتصاد الأوسع والأعرض، وعلى سبيل المثال فإن انتاج الطاقة ارتفع في هذه السنة بنسبة 0.1 في المئة فقط حتى الآن وهو ما يعني بشكل عادي أن النمو الحقيقي كان أكثر بطئاً مما تظهره أرقام الحكومة الصينية، وكانت المستوردات بطيئة جداً أيضاً وهبطت الى ما يقارب 18 في المئة في شهر سبتمبر محسوبة على أساس سنوي، ولكن هذه المؤشرات تشكل نافذة نحو القطاع الصناعي وهو الجزء من الاقتصاد الذي يعاني من أشد تباطؤ. وتمثل محاولة الحصول على قراءة كاملة عن النمو من خلال معلومات الاستيراد مشكلة أكبر وأعمق؛ فقد خفض تدني أسعار السلع قيمة المستوردات الصينية، والأكثر من ذلك فإن التحول نحو نمو يميل بقدر أكبر الى الخدمات يظهر في الاحصائيات الخاصة بالحساب الجاري، وليس في أرقام تجارة البضائع.

الشكوك الأقوى

وتوجد أرضية أقوى لصورة للشك أكثر اعتدالاً؛ إذ يبدو أن الصين تعالج معلومات نموها بقدر طفيف، ويتركز الجدل حول الطريقة التي يعدل من خلالها مكتب الاحصاء أرقام النمو الاسمية لتوافق معدل التضخم. وفي الربع الثالث، كان النمو الاسمي 6.2 في المئة ولكن الحكومة قالت إن الأسعار الاجمالية هبطت بحوالي 0.7 في المئة ما سمح للنمو الحقيقي بالوصول الى 6.9 في المئة. وينطوي ذلك على مفارقة نظراً لأن تضخم أسعار المستهلكين تحسن قليلاً في الربع الثالث ليصل الى 1.4 في المئة. والأكثر من ذلك هو أن معظم الانكماش يبدو نابعاً من هبوط أسعار المنتجين ولكن ذلك يعكس الى حد كبير الهبوط في أسعار السلع المستوردة وليس الانخفاض في الأسعار المحلية، ومن الصعوبة بمكان احتساب مؤشرات الانكماش البديلة لأنها تعتمد على افتراضات عالية حول ثقل القطاعات ومستويات الأسعار، ولكن المحللين الذين طوروا بدائل قاسية للاقتصاد بصورة عامة يضعون النمو عند حوالي 5- 6 في المئة.

ويتمثل أحد الحلول الجزئية في دراسة واستعراض معلومات الحكومة الاسمية بمفردها فقط، وهنا تصبح الصورة مرتبطة بقدر أكبر بالتباطؤ المستدام في الصين، وقد هبط النمو الاسمي بنسبة وصلت الى 6.2 في المئة محسوبة على أساس سنوي في الربع الثالث، وهي أقل من الربع الثاني حين بلغ وتيرة الـ 7.1 في المئة. وكان ذلك الأكثر بطئاً منذ سنة 1999 وأدنى من ثلث معدلات الـ 20 في المئة الاسمية في سنة 2011.

والأكثر من ذلك أن الانهيار في أسعار السلع قد حسن معدلات النمو الصينية، وترجم الهبوط الناجم في المستوردات بصورة مباشرة الى ارتفاع كبير في الفائض التجاري وأفضى الى تحسين النمو الاجمالي، وباستثناء الصادرات الصافية قد يصل نمو الطلب الداخلي في الصين الى حوالي 5 في المئة – بحسب محللين في بنك الاستثمارات المحلي تشاينا انترناشنال كابيتال كورب، وهذا تباطؤ أكثر حدة من ذلك الذي رسمته الحكومة، ولكنه يظل أفضل بقدر كبير من الوضع الأقسى الذي كان موضع قلق إزاء الصين قبل أشهر قليلة فقط.

back to top