أول العمود:

Ad

هل يحتاج إثبات واقعة تعذيب إلى كل هذا السجال السياسي بين نوابٍ والحكومة؟

***

في ساعة من الزمن، وعلى شاشة مسرح مكتبة الكويت الوطنية الأنيقة، وأمام جمع من الحاضرين، اختصر مخرج فيلم "الفن… خلف الأبواب المغلقة" المبدع حبيب حسين، حالة الفن التشكيلي في الكويت، وهو الفن الذي بدأ بتواضع الإمكانات مع أول معرض أقيم محلياً عام ١٩٥٩، وحمل اسم "معرض الربيع".

أظن أن حبيب حسين قد أجاد في إيصال فكرة أن هذا الفن اليوم ليس على ما يرام من خلال 10 محاور شرحها بالصورة والمداخلات والموسيقى، حددها في: قصور مناهج التعليم، والتقصير الإعلامي، والنقد، والرقابة، ودور مؤسسات المجتمع المدني، والدعم الحكومي، والنصب التذكارية، والدعم الخاص، وصالات العرض الخاصة، والمجهود الشخصي للفنان.

وحشد المخرج حسين كوكبة مميزة من الفنانين ليوصل الرسالة المختصرة بأن التشكيل في الكويت ليس بخير!، فالتقى المشخصين التالين: سامي محمد، وفريد عبدال، وثريا البقصمي، وعبدالرسول سلمان، وحميد خزعل، ومحمد الشيخ، وقاسم ياسين، وجواد بوشهري، ومحمد قمبر، وعبدالوهاب العوضي، وعبدالله الجيران وأميرة بهبهاني.

هموم هذه الكوكبة - وهم سفراء حقيقيون للكويت في الداخل والخارج - كبيرة يجب الالتفات إليها وإزالتها، فواقع البلد اليوم لا يسعف هذه الشريحة بسبب تردي الدعم الرسمي كما بدأ بقوة مع تقلد الشيخ عبدالله الجابر، يرحمه الله، وزارة التربية في أول حكومة كويتية تشكلت بعد الاستقلال، في يناير 1962، وازدهر هذا الفن لاحقاً بدعم الدولة ومثابرة الفنانين، وتوفر أجواء عامة ليصل إلى القمة في الفترة ما بين ١٩٧٠ - ١٩٨٠.

ما أمراض الحركة التشكيلية التي عرضها الفيلم؟

بلا شك تتحمل وزارة التربية وزر تدهور الاهتمام بالفنون عامة، وبتنا نسمع عمن يحرم الرسم ويزدري المقرر الدراسي الخاص به من قبل بعض المدرسين في ظل صمت مطبق من الوزارة، علماً أن الدراسات التربوية تؤكد أهمية هذه المناهج في تنمية الذوق وتوسيع أفق الطلبة وتدعم تقبلهم للآخرين، وهي العملة النادرة التي تبحث عنها الحكومة اليوم من خلال لجنة الوسطية وبرامج وزارة الشباب لكن بلا طائل! يضاف إلى ذلك انشغال الإعلام الرسمي والخاص، ولا سيما الصحف، عن الاهتمام بالفنون عامة وضعف النقد والحساسية منه.  ويتذكر من استضافهم مخرج الفيلم كيف كانت الوزارات قبل عقود من الزمن تقتني أعمال فناني الحركة التشكيلية لإهدائها إلى الزائرين وضيوف الدولة، بينما اليوم تتربع الهدايا المصنعة في الصين هذا المشهد!

غياب النصب التذكارية من بين أهم الظواهر غرابة في الكويت رغم وجود نحاتين كويتيين معروفين عالمياً، ولا يزال مجسمان للشيخين عبدالله السالم وصباح السالم للنحات سامي محمد، يقبعان خلف جدران مغلقة لا يجرؤ مسؤول على إخراجهما إلى النور خشية الوقوع في مصيدة "التحريم" الزائف. تفكّك الحركة التشكيلية أشار إليه عدد من الفنانين الذين تداخلوا في الفيلم، وهي صراعات لا علاقة لها بالفن وتطويره رغم محاولات رئيس جمعية التشكيليين نفيها. تحوُّل بعض أصحاب "الغاليري" إلى استغلال معارضهم الخاصة للتجارة وعرض الأزياء، بدلاً من عرض لوحات ومجسمات الفنانين، أثر كثيراً على المشهد كذلك، في مقابل تواضع الصالات التابعة للدولة وقلة عددها.

هذا هو مع الأسف المشهد العام للحركة التشكيلية في الكويت، فبعد ازدهار العقود الأولى، حدث الضعف والتشرذم اليوم، وكأن دعم الفنان لم يعد من أولويات الدولة، وهو كذلك!

يقال دائماً إن الصورة أفضل من الحروف، وعليه فإن مشاهدة الفيلم المتقن تصويراً وموضوعاً وإخراجاً توصل إلى المتلقي حالة الفن التشكيلي في الكويت... وهي حالة لا تسر. كل الشكر للمخرج حبيب حسين الذي جمعنا في المكتبة الوطنية وأثار قضية حضارية بالدرجة الأولى.