الكاتب المنسي
إذا ما سألني زميل عربي مغترب لا يعرف شيئاً عن الكويت سوى النفط، وطلب مني أن أثبت له مكانة الكويت الفنية في العالم العربي أحلته أولاً إلى صقر الرشود وأعماله العبقرية ابتداء من "على جناح التبريزي"، و"حفلة على الخازوق"، ثم إلى مسلسل لن يكون سهلاً إنتاج مثيله في الظروف الحالية على الأقل، وهو "درب الزلق"، ولكنني للأمانة لا أذكر له سوى الشخصيات التي مثلته وليس كاتبه، الذي لا يبدو لنا مهما حين يتعلق الموضوع بالأعمال المسرحية والفنية. وكذلك هو الحال حين أقدم للأخوة هنا بعض أعمالنا السياسية الجادة، التي كانت تتجاوز في جرأتها ما يقدم في المسرح العربي أحياناً كثيرة، وأهمها مسرحية "حامي الديار"، و"ممثل الشعب".هذه الأعمال كان وراءها مجموعة من العباقرة تمثيلاً وإخراجاً، ويشكل غيابها اليوم عن حياتنا المسرحية والفنية بداية النكسة للعمل المسرحي الجاد وانهيار الفن الهادف. ورغم تصدر الممثل المسرحي المشهد وتحقيقه الشهرة، وهي شهرة يستحقها بالطبع، فإننا ننسى دائماً الرجل الذي وضع هذه الأعمال على الورق. هو الرجل الذي يبقى خلف الكواليس، وربما يحضر عرضاً واحداً من عروض أعماله، ثم يختفي تماماً عن المشهد وعن لقاءات الصحافة وإضاءة الكاميرا.
عبدالأمير التركي الكاتب الذي كانت له بصمة كبيرة وواضحة على أعمالنا المسرحية، والتي مازلنا نعيد مشاهدتها كلما أخذنا الحنين إلى أيام الفن الأصيل، ترجل أخيراً بعد رحيل مجموعة من رواد المسرح الكويتي، وبعد أن تقدم العمر بالبقية الباقية. ارتبطت أعمال التركي بأذهاننا منذ عمله الأكثر شهرة "درب الزلق"، والذي كتبه ليقدمه سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا، وهما كاتبا مسرح أيضاً، ولا يمكن أن ننكر بصمتهما على العمل، إضافة إلى الفنان الراحل خالد النفيسي.وخرج الفنان عبدالحسين من الثلاثي مؤقتاً، ليكمل عبدالأمير التركي مشواره مع الثنائي الناجح سعد الفرج وخالد النفيسي، وليقدموا أعمالاً سياسية تعتبر علامات فارقة في المسيرة المسرحية والفنية. نستطيع أن يتابعها شبابنا ولكنه لن يتمكن من مشاهدة مسرحية "هذا سيفوه"، التي منعت من العرض ولم تصور للتلفزيون، وهي من أعمال التركي أيضاً.لكن عبدالأمير التركي دخل المعترك السياسي، وحاول أكثر من مرة أن يرشح نفسه لمجلس الأمة ولم ينجح، وقد لا نتفق معه في ذلك. كانت الرسالة التي يقدمها من خلال أعماله تستحق أن يكرس لها جهده كاملاً ككاتب يجيد تناول قضايا مهمة وحساسة تخدم المسرح الكويتي. وهو جهد ليس بقليل يعرفه الكاتب، ويعرف العناء الذي يكابده ويصرفه عن انشغلات أخرى قد يختلف معه كثيرون ممن أعجب بأعماله الوطنية حين يضع نفسه في إطار سياسي محدد أو فئوي. رحل الكاتب الفنان عبدالأمير التركي عن حياتنا مؤخراً، لكنه ترك لنا إرثاً كبيراً ورائعاً من الأعمال التي ستبقى في ذاكرتنا نحن من عاصرها، وستبقى كذلك في أذهان أجيالنا التي حقق لها تسجيلها متابعتها... رحل الكاتب ليذكرنا أننا بحاجة إلى أن نتذكر كتابنا المسرحيين بنفس الدرجة التي نتذكر فيها الممثلين الذين يرددون عباراتهم على المسرح.