الأديبة جهاد التابعي: لا خطوط حمراء لدي... والحرية واجب

نشر في 18-10-2015
آخر تحديث 18-10-2015 | 00:01
No Image Caption
• طفولتها التعيسة سبب احترافها الكتابة
جملة من الانتقادات تواجه الكاتبة الشابة جهاد التابعي كلما انتهت من إعداد إحدى تجاربها الإبداعية، حيث تعبِّر عن رأيها الصريح والصادم أحياناً لدى جمهور عريض لم يألف إلا تراثا من الأحكام والفتاوى الجاهزة تركها له الأباء والأجداد.

جهاد التابعي في هذا الحوار تحدثنا عن كتابها {مزة إنبوكس}، الذي أثار ضجة إعلامية ضخمة حولها ساهمت في رواج الكتاب، كذلك تحدثنا عن {الحب في زمن البوتكس}، وعن العلاقات الإنسانية المتناقضة في الحب والعمل، ونتعرف أيضا إلى رأيها بشأن ما يسمى بالكتابة النسائية، والخطوط الحمراء في كتاباتها، وعن المجتمع الذي يكيل بمكيالين.

مع كل إصدار لك  تثيرين الجدل. هل تتعمدين هذا؟

لا أتعمد إثارة الجدل، كذلك لا أعتبر إثارة الجدل جريمة يخجل منها الكاتب. الجدل وإعادة التفكير في أمور مسكوت عنها أمر صحي للمجتمع إذا تم بشكل واع ومتحضر. أما جدل مواقع التواصل فمعظمه غير موضوعي ولا يتعدى كونه مشادات كلامية حول قشور وعناوين وليس القضايا نفسها للأسف، فأغلب الجمهور العربي يترك أحداث الفيلم وينشغل بحياة الممثلة الشخصية ويترك محتوى الكتاب وينشغل بالغلاف أو بطلاء أظفار الكاتبة، نحن نعاني داء السطحية في الحكم على الأمور.

هل تعتقدين أن اللقاءات التلفزيونية، وظهورك على المواقع الإلكترونية تساهم في رواج كتبك؟

لا أعرف إذا كان ظهوري في التلفزيون يساهم في رواج كتبي، لكن أعتقد أنني في الفترة المقبلة لا بد من أن أدرس ظهوري، فقد كنت متسرعة في الظهور مع بعض الإعلاميين، وتاجر باسمي وبعناويني البعض لأجل تصريحات تزيد نسبة المشاهدة فقط دون مناقشة القضايا بشكل يهم الناس بالفعل أو يتيح لي عرض وجهة نظري، كما أن معظم من حاوروني عن كتابي من الإعلاميين لم يتصفح حتى صفحة منه، وهو ما يظهر في التناول السطحي له والأسئلة السطحية، ويعتبر ذلك إهانة لأي كاتب، وإهانة للثقافة أن النخبة لا تقرأ حتى وإن كان الأمر يتعلق بصميم عملهم، وهو ما تسبب في الخلط بين موضوع كتابي الفعلي والمواضيع التي أتحدث بها بشكل عام. فالكثير بسبب الجهل وعدم الاطلاع اعتقدوا أنني تناولت قضية الحرية الجنسية في كتاب {مزة إنبوكس}، بينما من قرأ الكتاب بالفعل يعلم أنه كتاب ساخر خفيف عن التحرش والنصب على مواقع التواصل ولا يحتوي على أي شيء متعلق بالجنس.

 {مزة إنبوكس}

يعتمد كتابك «مزة إنبوكس» على الواقع الافتراضي، وما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي وليس الواقع، ما قولك؟

«مزة إنبوكس} معايشة خفيفة لما يحدث في عالم مواقع التواصل، من تعارف، وحب، وتحرش، وخيانات زوجية، وانتحال شخصية، وانفصال عن الواقع أو هروب منه، وتناقض وازدواج شخصيات. إذا كنت شخصاً متناقضاً أو وحيداً أو حالماً أو مخادعاً، غالباً ستجد نفسك فوق صفحات الكتاب. يعيش جيلنا معظم يومه على موقع التواصل بسبب البطالة والفقر وضغوط الحياة. جميعنا لدينا حياة أخرى وعوالم أخرى داخل الإنبوكس مليئة بأسرار وحكايات عرضت بعضاً منها في كتابي من تجاربي الشخصية وتجارب مجمعة لأصدقائي واستفتاءات صغيرة مع أشخاص على مواقع التواصل بشكل عشوائي.

إحدى أبرز الظواهر التي رصدها الكتاب ظاهرة التحرش الإلكتروني، كيف تأتى لك ذلك؟

في الوقت الّذي تتجنب فيه الفتيات النزول إلى الشوارع، أصبحن يتعرّضن للتحرش وهن في بيوتهنّ من خلال شاشات هواتفهن الصغيرة، واللافت أن قضية التحرش الجنسي الإلكتروني ليست ظاهرة تتعرّض لها الفتيات فقط، بهدف الحصول على زوج أو علاقة عاطفيّة بل الشباب أيضاً، ولكن بنسبة أقل، وثمة عدد ليس بالقليل، لا يعتبر الرّسائل والألفاظ والصورة الّتي تخدش الحياء المرسلة إلى الفتيات على شبكات التواصل الاجتماعي تحرشاً، ويعتقد أن الشكوى من تلك الرسائل نوع من الرفاهية. ويلوم البعض الفتيات اللواتي تتعرضن للتحرش لأن لديهن حساباً على شبكات التواصل الاجتماعي وتضعن صورهن الشخصية، ولأنهن تتواجدن على الإنترنت في أوقات متأخرة كأن الإنترنت شارع وأية فتاة مشاركة فيه مباحة لرغبات المتحرشين وشكوكهم وتهجمهم على حرياتها.

{الحب في زمن البوتكس}، لماذا اخترت هذا الاسم؟

يتناول كتاب {الحب في زمن البوتكس} العلاقات الإنسانية المتناقضة، في الحب والعمل، واسمه مستوحى من البوتكس الذي يستخدم في جراحات التجميل لنفخ وشد الوجه والذي يعتبره البعض تجميلاً، بينما يعتقده البعض الآخر تزييفاً. لكني أعترف أنني لم أكن موفقة في الكتاب رغم أنه أعجب الكثير من القراء، إذ لم أكن صادقة إلى الحد الذي يريح ضميري فيه. باختصار، لم أكن أنا، وثمة فرق كبير بين أن تبدو مثالياً وترضي الناس، وأن تكون صادقاً وتشبه نفسك.

تطالبين بضرورة إعادة كتابة القصص القديمة مثل سندريلا لتحاكي العصر... ما هي وجهة نظرك بهذا الصدد؟

لأني أرى أن القصص التي نرويها للأطفال مثل قصة سندريلا والأمير لا تعلمهم سوى التواكل والكسل والوصولية والتسلق والشهوانية والسطحية، فالأمير الغني قرر الزواج من سندريلا الفقيرة بمجرد أن لامس وسطها برقصة ورأى حذاءها، إذاً سندريلا وصولية والأمير شهواني، وهذا النوع من القصص لن يخلق طفلاً لديه أي نية للتعايش مع الظروف الحقيقية من فقر وبطالة وبذل مجهود مضاعف لأجل حياة أقل من الطبيعية. في الواقع لن تحدث معجزات ولن ينقذنا أحد سوى أنفسنا.

كيف ترين معنى الحرية في كتاباتك؟

الحرية في الحياة هي أن تفعل ما تريد بشرط ألا تؤذي أحداً، لكن في الكتابة الحرية واجب وليست خياراً، فصنع شخصيات على الورق يستلزم حرية أكبر من مجرد مناقشة مواضيع عامة في مقالات. أن تصنع شخصاً يحمل آراء دينية ومشاعر خوف وحب وأحلاماً أمر يتطلب حرية تسمح لك بتخيل نفسك هو مؤقتاً حتى لو كان مجرماً.

الزمن الجميل للكتابة

تشير الكاتبة جهاد التابعي إلى أنها تكتب ضمن مقاييس دقيقة ومعايير ذاتية وتقول ضمن هذا السياق: «ليست لديَّ خطوط حمراء في الكتابة، وسأقتبس مقولة الدكتور طه حسين للرد: «لا أقبل من القارئ مهما ارتفعت منزلته أن يدخل بيني وبين ما أحب أن أسوق من الحديث، وإنما هو كلام يخطر لي فأمليه، ثم أذيعه، فمن شاء فليقرأه، ومن ضاق بقراءته، فلينصرف عنه». أما بالنسبة إلى تجربتي فلا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لأن شخصيتي ككاتبة لم تكتمل بعد من وجهة نظري. ما زال أمامي الكثير من التجارب الحياتية والقراءات لأستطيع أن أقول عن نفسي إنني كاتبة أو أن لديَّ شخصية مميزة في الكتابة.

وعن أغلال العادات والتقاليد التي تكبل المبدعة في كتاباتها قالت التابعي: لو كان نزار قباني امرأة تكتب غزلاً صريحاً في جسد الرجل، ماذا كان سيفعل المجتمع؟ هل كان سيتقبلها، نزار أيضاً تم انتقاده لكن ليس بالقدر الذي تنتقد به امرأة، فالمجتمع يكيل بمكيالين، ويحصر الكاتبة في مواضيع محددة ويحرم عليها مواضيع أخرى الجميع يكتب عن الجنس بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنه حقيقة وجزء من حياتنا، إلا أن المجتمع ينفعل عندما تتناوله امرأة وكأن المسموح لقلم المرأة هو قصص الأطفال والحديث عن الأظفار وظل ابن الجيران فقط، أستغرب جداً عندما أسمع أحدهم يردد «أين أيام الكتابة النظيفة والزمن الجميل». أقسم أن من يرددون هذه الجمل لم يقرؤوا في حياتهم سوى دروس القراءة في المدرسة، فيوسف السباعي مثلاً كان يصف كل تفصيل في جسد المرأة بدقة، ويوسف إدريس تناول مفهوم الشرف والعذرية في المجتمع الشرقي بمنتهي الجرأة، خصوصاً في قصة «حادثة شرف». حتى كتابات طه حسين لم تخلُ من القبلات.

وعن تأثير طفولتها ودراستها في كتاباتها ذكرت: أعتقد أن دراستي للإعلام أثرت إيجاباً على كتاباتي. تعلمت أهمية أن يكون لي رأي مستقل، وكان سؤال {ما رأيك} جزءاً مهماً من أسئلة الامتحانات، ما شكل جرأتي بشكل غير مباشر. وطفولتي التعيسة جداً جعلت الكتابة صديقتي الوحيدة في أغلب الأوقات. ربما لو لم تكن طفولتي تعيسة لكنت أمضي وقتي الآن في نزهة مسلية مع الأصدقاء بدلا من التفكير والكتابة.

back to top