صاحب هذا المقام كانت تهابه الحكام، فكلمته نافذة عندهم لقضاء حوائج الناس فلقبوه بالسلطان، وكان الناس يكتبون اسمه على أبواب دورهم حتى يتبركوا به، إنه العارف بالله أبو عبدالله شمس الدين محمد بن حسن بن علي الحنفي من ذرية سيدنا أبي بكر الصديق (رضي الله عنه).

Ad

ولد السلطان الحنفي عام 775 هـ، وقال عنه الشعراني: هو سيدنا ومولانا شمس الدين محمد الحنفي رضى الله عنه، كان من أجلاء مشايخ مصر وسادة العارفين وهو أحد أركان الطريق وأكابر أئمتها علما وعملا وحالا وقولا وزهدا وتحقيقا ومهابة وكان ظريفا جميلا في بدنه وثيابه، تربى يتيما من أمه وأبيه، ربته خالته فكان زوجها يريد أن يعلمه صنعة لكنه هرب وحفظ القرآن ثم باع الكتب في السوق فمر عليه أحد الرجال فقال يا محمد ما للدنيا خلقت فترك الدكان بما فيه، ولم يسأل عنه ثم حبب إليه الخلوة فدخل خلوة تحت الأرض وهو ابن 14 سنة فاختلى بها سبع سنين، ولم يخرج منها حتى سمع هاتفا يقول يا محمد اخرج انفع الناس ثلاث مرات، فخرج إلى الزاوية فكان يجلس يعظ الناس على غير موعد فيجيء الناس حتى يملأوا زاويته، وكان رضي الله عنه حنفي المذهب شاذلي الطريق، وقد أخبر عنه العارف بالله أبو الحسن الشاذلي قائلا سيظهر بمصر رجل حنفي المذهب يعرف بمحمد الحنفي يكون له شأن عظيم وهو خامس خليفة من بعدي.

يذكر شيخ الإسلام العيني في تاريخه الكبير: "والله ما سمعنا ولا رأينا فيما حويناه من كتبنا وكتب غيرنا، ولا فيما اطلعنا عليه من أخبار الشيوخ بعد الصحابة إلى يومنا هذا أن أحداً أعطي من العز والرفعة ونفوذ الكلمة وقبول الشفاعة عند الملوك والأمراء وأرباب الدولة والوزراء عند من يعرفه ومن لا يعرفه مثل ما أعطي الشيخ شمس الدين الحنفي".

وكان الملك الظاهر جقمق يكرهه، ويقول إني لا أقبل لهذا الرجل شفاعة، ومع ذلك يرسل له في الشفاعات فيقضيها، ويقول لمن حوله: "أنا لا أستطيع رد شفاعته بل أقبلها وأتعجب من نفسي".

ونزل إليه في يوم من الأيام السلطان الملك المؤيد شيخ، فجاء إلى الزاوية فوجده فوق سطح البيت ورفض مقابلته فحزن السلطان، ورجع إلى القلعة ولم يتغير من ذلك.

ويؤثر عنه قوله: "لقد خرج من زاويتي 400 من أولياء الله على قدمي وكلهم داعون إلى الله سبحانه وتعالى"، وقوله: "لو كان عمر بن الفارض في زماننا ما وسعه إلا الوقوف ببابنا".

تُوفي رضي الله عنه 847هـ عن عمر 72 سنة وكانت له مدرسته في تفسير القرآن الكريم، وله كتاب "الروض النسيق في علم التصوف"، ويقع مسجده الذي أنشأه سنة 810هـ في حي السيدة زينب بالقاهرة، ويضم أيضا مقامي الشيخ عمر الركن زوج ابنته والشيخ عمر شاه، وقد جدد هذا المسجد بأمر من محمد علي باشا على يد الأمير سليمان تابع الباشا، وذلك في رمضان سنة 1237 هـ.