حتى قنوات «الجزيرة»، ووسائل الإعلام التركية المختلفة، لم يكن بمقدورها أبداً أن تتجاهل الاحتفال بافتتاح مشروع «قناة السويس الجديدة» في مصر، يوم الخميس الماضي.

Ad

حاولت وسائل الإعلام المعادية لـ»مسار 30 يونيو» أن تتجاهل هذا الحدث، لكنها أخفقت بامتياز، واكتفى أكثرها حقداً على هذا المسار ببث أخبار عن «أحداث إرهابية»، أو «حالات قمع في السجون»، أو «إساءة استخدام السلطة من جانب قوات الأمن بحق رافضي الانقلاب».

وبموازاة الحضور العالمي الكبير والمؤثر، حظيت مصر بمساحات تغطية كبيرة في مختلف وسائل الإعلام النافذة، ورغم أن بعض التغطيات اتسم بحس نقدي، وأثار تساؤلات عن «جدوى المشروع»، فإن أحداً لم يشكك في أنه «خبر جدير بالاهتمام على المستوى العالمي».

لقد قفزت مصر قفزة واسعة إلى الأمام يوم الخميس الماضي، وهي قفزة لا تنحصر تداعياتها في حجم التقدم المادي الملموس الذي يمكن أن تمنحه للمصريين فقط، ولكنها تتسع لتشمل عوائد نفسية ومعنوية وسياسية بعيدة الأثر.

يتميز مشروع إنشاء التفريعة الجديدة الموازية لقناة السويس بأنه تم بتمويل مصري مئة في المئة؛ فقد تم جمع أكثر من 60 مليار جنيه (نحو 8.5 مليارات دولار) من المصريين، في صورة شهادات استثمار، دون الحاجة إلى أي دعم أو تمويل أجنبي.

وعندما تم الإعلان عن المشروع في صيغته الأولى قدّر القائمون عليه الوقت الذي يحتاجون إليه لإنجازه بنحو ثلاث سنوات، لكن الرئيس السيسي طلب أن يتم إنجاز المشروع في سنة واحدة، وهو ما حدث بالفعل.

وحتى ينجح القائمون على المشروع في الوفاء بهذا التعهد، فقد كثفوا العمل، للآلات والبشر، ليصبح على ثلاث فترات في اليوم الواحد، وهو ما يعني أن سنة كاملة مرت على هذا المشروع من دون أن يتوقف فيه العمل ثانية واحدة.

سيسهم مشروع «قناة السويس الجديدة» في تثبيت شرعية الرئيس السيسي، وسيعزز اليقين في «مسار 30 يونيو»، وسيأخذ «فكرة الانقلاب» التي يرددها أعداء هذا المسار بعيداً، لتصبح «صيغة من الماضي»، لا يقوم عليها برهان، ولا يدافع عنها واقع، أو يثبتها دليل.

الأهم من ذلك أن «مخزن الدعم الاستراتيجي» للرئيس السيسي، ولـ»مسار 30 يونيو» عموماً سيتعزز وينتعش، وسيجد هؤلاء الذين خرجوا ضد حكم «الإخوان»، وأيدوا «خريطة طريق المستقبل»، وصوتوا بـ«نعم» لدستور 2014، وانتخبوا السيسي رئيساً، الحجج الكافية لتعزيز مواقفهم، بشكل يمنحهم القدرة على الصبر في انتظار تحقيق تطلعاتهم المشروعة، في ظل ظروف صعبة.

ليس هذا فقط، لكن الدولة أيضاً أظهرت قدرة كبيرة، عشية الاحتفال وخلاله، على التأمين ولجم العمليات الإرهابية، في ظل تصاعد التهديدات، وتحفز داعمي الإرهاب ومموليه، وتوافر التغطية السياسية له من تنظيم «الإخوان» وبعض الدول الداعمة له.

وقد استطاع المصريون أن يفرحوا بالفعل، طيلة وقت الاحتفال الرسمي، من دون منغصات تربكهم أو تشوش عليهم،

وإن هذا لا يعني بالطبع أن مصر أنهت الإرهاب، أو قهرت التحدي الذي يفرضه عليها، أو أنها لن تشهد عمليات إرهابية أخرى؛ إذ سيظل الإرهاب قادراً على تسديد الضربات للدولة والمواطنين طالما أن ذرائعه ومصادره وتمويله وأدواته متوافرة، لكن هذا يعني، في الحد الأدنى، القدرة على العمل والوفاء بالوعود في ظل العمليات الإرهابية، التي لم تعد قادرة على فرض إرادة على الدولة والمواطنين أو تعويق إرادتهم.

لا تنحصر العوائد الاقتصادية المتوقعة لهذا المشروع الكبير في زيادة متحصلات رسوم العبور من السفن والناقلات، وهي المتحصلات التي لا يُعول كثيراً على ما يمكن أن تحدثه من فارق، ولكن تمتد تلك العوائد لتشمل عوائد المشروعات الصناعية والخدمية واللوجستية الكبرى التي ستقام في منطقة قناة السويس اعتباراً من لحظة تدشين التفريعة الجديدة.

وبسبب الثقة المتولدة لدى الجمهور المحلي، ولدى الشركاء والقادة الإقليميين والدوليين، ولدى مجتمع الأعمال العالمي، بعد هذا الإنجاز المبهر والقياسي، فإن التوقعات كبيرة بتدفق الاستثمارات والشراكات على مشروع تنمية قناة السويس، وستؤدي عملية التنمية المنتظرة في إقليم القناة إلى جلب عائدات اقتصادية كبيرة، يمكن أن تكون قاطرة لدفعة تنموية تأخذ مصر إلى الأمام بعد سنوات من الاضطرابات وفقدان الاتجاه.

سيحتاج المصريون إلى أن يتخصلوا من عقبات البيروقراطية البغيضة، وأن يسنوا تشريعات حديثة، يمكن من خلالها تسهيل عملية الاستثمار، وسيمكنهم في هذا الصدد أن يستخلصوا العبر من مشروعات أخرى سابقة تعثرت بسبب سوء التشريع وتغول البيروقراطية وتفشي الفساد، كما أنهم أيضاً سيكونون قادرين على تلقي النصائح والمساعدات من شركاء وأشقاء سبقوا في مضمار تطوير الاستثمار وتسهيل البيئة الحاضنة له مثل الحلفاء الإماراتيين.

من المرجح أن تقوم جماعات كثيرة على رأسها بالطبع جماعة «الإخوان»، و«ولاية سيناء»، و«القاعدة» بتنفيذ عمليات إرهابية تربك بها المشهد وتخلط أوراقه، وتحبط الروح المعنوية للمصريين، وترهق الدولة وتشتتها، حتى لا تجني ثمار المشروع الكبير، ولا تسخر الدفعة المعنوية المتولدة عنه لتحقيق قفزات أخرى إلى الأمام.

وستقوم الدول المعادية لـ«مسار 30 يونيو» بمحاولة تطويق الإنجاز عبر أدواتها الإعلامية بالطبع، من خلال إثارة الشكوك إزاءه، والتهوين من أثره، واصطياد العثرات أو الأخطاء التي وقعت خلال إنجازه أو الاحتفاء به، بغرض تقويض الروح المعنوية للمحتفلين وتشويه المنجز.

لكن تلك ليست هي أكثر الأمور التي سيواجهها مشروع «قناة السويس الجديدة» خطورة، بل إن هناك ما هو أهم من ذلك، فحتى هذه اللحظة لا يبدو أن الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمشروع قد تبلور وتم شرحه وتبسيطه للجمهور المعني، وبطبيعة الحال فإن ثمار ذلك المشروع لم تصل إلى المستهدفين به بعد، ورغم أن الأثر المعنوي والسياسي والوطني قد تحقق بفاعلية ونجاح كبيرين، فإن الدولة المصرية معنية بأن تترجم كل تلك التأثيرات في عوائد ملموسة يستفيد منها الناس، وهي العوائد التي ستشكل أكبر حماية للمشروع وأعظم استثمار له.

* كاتب مصري