شغل الباحثون في فهم معنى السياسة ومنطقها لدى السلفية، فهي لا تتأسس لديهم وفق برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي محدد، مثلما هو الحال لدى الحركات والأحزاب السياسية التقليدية، بل وفق منطق مغاير يعتبر السياسة استكمالاً للمشروع القائم على التعبئة والمصلحة، والتدافع كما حدث مؤخراً في الأحزاب السلفية في مصر وتونس.

Ad

هذا ما تناوله الكتاب الصادر حديثاً بعنوان "السلفيون والساسة"، للدكتور محمد حافظ دياب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، حيث قسم المؤلف الكتاب إلى قسمين، الأول تناول مقدمات نظرية للتطور السياسي السلفي عبر التاريخ، والآخر المراحل الحديثة للسلفيين.

وبدأ المؤلف كتابه بطرح بعض الاستفهامات والإشكاليات، في فهم معنى السياسة لدى السلفيين، ومدى تأثير هذه العلاقة وصولا إلى السلفية الجهادية، ويقدم المؤلف مفهوما للسلفية والأصولية في الفكر الإسلامي، حيث استخدم ابن تيمية مفهوم السلفية إشارة إلى منهج الالتزام بالقرآن والسنة، فيما أوضح أن الفكر الأصولي الإسلامي هو إصلاح وضع فاسد، وتقريبه إلى نموذج الخلافة الراشدة، مؤكداً أن هذا المفهوم بدأ يتغير ويتجرد من ملامحه الفكرية في القرون اللاحقة، بعد افتقاد منهج الاجتهاد الذي خلق حالة "الانقياد" إلى الأنظمة الحاكمة.

ويستطرد الكاتب: باعتبار السلفية نزعة احتجاجية على التطورات التي طرأت على المستويين الفكري والتعبدي للدين، لتصبح على المستوى الأول، نمطا محصورا في استخدام المعجم الإسلامي الأصلي، متخذا من قيم الإسلام وأحكامه معيارا وحيدا في النظر والحكم، ومن النص الأصلي مرجعا نهائيا في التدليل والإثبات، أما على المستوى التعبدي فقد حاولت السلفية إعادة تقنين الشعائر الدينية بتوحيد نماذجها وكلماتها وإشاراتها وإجراءاتها، لكي تحافظ على النشاط الشعائري الأصلي لمواجهة البدع المستجدة.

ويرصد المؤلف تطور الفكر الأيديولوجي للسلفيين، ويقول: إن السلفيين هم الأقرب إلى المذهب الحنبلي، فيما ذهب جموع المسلمين إلى المذهب الأشعري، خصوصاً قضايا العقيدة، ما جعل سريان السلفيين متواصلاً عبر القرون بسبب انحصارهم في مجموعة من الواجبات والممنوعات تقاس عليه جميع التصرفات والمواقف والأفعال، حتى لو لم تكن بالضرورة دينية، وهذا يفسر الالتزام الصارم بحرفية النصوص لديهم.

كما تطرق الكاتب إلى فرز وتفنيد التيارات السلفية من الداخل، مؤكداً أنهم ينقسمون إلى ثلاثة تيارات، الأول هو التيار المحافظ الذي اختار الدعوة والتعاليم فقط، ورفض المشاركة السياسية، أما التيار الثاني فهو "الراديكالي"، وهو أخطر التيارات السلفية، ويطلق عليه أيضاً السلفية الجهادية التي تؤمن تماماً بأن التغيير داخل المجتمع لابد أن يكون بالقوة، مع رفض الأعمال السياسية.

أما التيار الثالث فهو مزيج بين الأول والثاني، فهو يجمع بين الوسطية بين العقائد والأفكار من جهة والعمل الحركي والسياسي من جهة أخرى، كما أنه يؤمن بالإصلاح السياسي ومشروعية المعارضة، ورفض الخيار المسلح في الصراع الداخلي، لكنه يخوض السياسة دفاعاً عن النفس في مواجهة سلطة تستهدفه، أو رغبة في الوجود الاجتماعي.