لا تنخدعوا باستطلاعات الرأي التي تقدّم كواقع موقف الإدارة في كل سؤال، على سبيل المثال يؤكد استطلاع Post/ABC للمشاركين أن "المفتشين الدوليين سيراقبون المنشآت في إيران، وإذا ضُبطت إيران وهي تنتهك الاتفاق، فستُفرض العقوبات الاقتصادية مجدداً، فهل تؤيد أم تعارض الاتفاق؟".

Ad

لن يرفض أحد اتفاقاً مماثلاً إن قدمته بهذه الطريقة، ولكن بما أن هذه الادعاءات متحيزة ومضللة، فلهذا السبب بالتحديد بدأ الشعب والكونغرس يبدلان رأيهما.

مفتشون؟ يدرك الجميع اليوم أن عبارة "أي وقت وأي مكان" (خطوة ضرورية لأي برنامج سري في بلد تعادل مساحته ضعف مساحة تكساس وله تاريخ طويل من الخداع والغش) استبدلت بـعبارة "أمامكم 24 يوماً، ومن ثم سنأتي في زيارة مفاجئة"، وعن هذه المسألة يقول جاكي مايسون إن مطاعم نيويورك تواجه عمليات تفتيش أكثر فاعلية من برنامج إيران النووي.

العودة إلى فرض العقوبات؟ يعرف الجميع أن العقوبات الدولية لن تُفرض مجدداً ما إن تُرفع، وعلاوة على ذلك تأملوا في حجج أوباما المنافية للمنطق. كان محور خطابه في الجامعة الأميركية أن البديل الوحيد لما حمله معه من فيينا هو الحرب لأن العقوبات (حتى العقوبات الأكثر تشدداً التي يُطالب بها الكونغرس) لن تردع الإيرانيين، ولكن إن كانت العقوبات غير ناجحة فكيف يمكنك أن تؤكد أن الإيرانيين سيتجنبون الخداع لأنهم يخشون العقوبات؟ لا ننسى أيضاً أن العقوبات التي سنعاود فرضها ستكون بالتأكيد أضعف ومليئة بالثغرات، مقارنة بما هو معتمد اليوم.

أتت بعد ذلك الأخبار عن الاتفاقات الجانبية السرية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تتعلق بالنشاط النووي السابق وعمليات تفتيش منشأة بارشين العسكرية، حيث يُشتبه في أن إيران أجرت اختبارات على أجهزة نووية متفجرة.

لا نعلم ما تحتويه هذه الصفقات الجانبية، ولن نعرف حسبما تؤكد الإدارة، فكما تعلمون "تجري العادة" أن تبقى اتفاقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذه سرية، لكن هذه المعاهدة ليست عادية، بل تُعتبر المعاهدة الأكثر أهمية في عصرنا الحالي، ورغم ذلك يُطلب من الكونغرس التصديق على هذا "الإنجاز الدبلوماسي التاريخي" (وفق أوباما)، في حين يُمنع من الاطلاع على جوهر نظام التفتيش.

لا يعرف الكونغرس ما تحتويه هذه الاتفاقات الجانبية بخلاف إيران، فقد أعلن علي أكبر ولايتي، أحد مستشاري القائد الأعلى البارزين، قبل أيام: "الدخول إلى مواقعنا العسكرية محظور بشكل قاطع"، لكن اللافت للنظر حقاً أن إحدى الصفقات الجانبية تسمح لإيران بأن تقدّم هي بنفسها عينات التراب من بارشين، إلا أن الأقمار الاصطناعية تُظهر راهناً أن إيران تعمل على جرف وتنظيف بارشين في الوقت الراهن... إذاً تحول نظام التحقق والتفتيش إلى مهزلة.

باتت هذه المهزلة المأساوية اليوم بين يدي الكونغرس، أو بالأحرى بين يدي ديمقراطيي الكونغرس، وبما أن عدداً كبيراً منهم بدؤوا يسحبون تأييدهم فقد شكل هذا السبب الأول الذي دفع بأوباما إلى إلقاء خطاب الجامعة الأميركية. وكم حاول تحويل هذه القضية إلى مسألة حزبية: أولئك الجمهوريون المحبون للحرب يهاجمون رئيساً يقدّم السلام في أيامنا! وانحدر أوباما كثيراً متهماً مؤيدي الجمهوريين "بتوحيد المصالح" مع الإيرانيين "المتشددين" الذين ينادون بـ"الموت لأميركا".

لننسَ مسألة مهاجمة الأشخاص، فهذا وهم واضح، ولكن هل يعتقد أوباما حقاً أن المتشددين الذين ينادون بالموت لأميركا هم مجرد مجموعة صغيرة متطرفة من المتعصبين البيض؟ إنهم الحكومة! إنهم جهاز الدولة بأكمله في الجمهورية الإسلامية من حرس الثورة إلى القائد الأعلى آية الله خامنئي، الذي روّج طوال عقود لهذه الصيحات نفسها المنادية "الموت لأميركا"، وشجعها وهلل لها.

توحيد المصالح مع المتشددين الإيرانيين؟ مَن قام بذلك أكثر من أوباما؟ طوال سنوات نفذ الإيرانيون برنامجاً عسكرياً نووياً مارقاً، متحدين عدداً من إعلانات مجلس الأمن التي تؤكد عدم شرعيته والمدعومة بسلسلة من العقوبات والحصارات، ورغم ذلك كافأهم أوباما بمعاهدة تشرّع برنامجهم النووي بأكمله، وترفع الحصار عن الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية، وتعيد إحياء الاقتصاد (الذي وصفه الرئيس الإيراني بأنه يعود إلى "العصر الحجري" في ظل العقوبات) بفضل ضخ نحو 150 مليار دولار من الأصول المجمدة، والسماح لإيران ببيع كمية غير محددة من النفط، ومنحها حرية مطلقة لولوج النظام المالي الدولي.

مع هذا الاتفاق يصبح هذا النظام الظالم والمتعصب والعدائي والمعادي للولايات المتحدة إلى أقصى حد، والداعم الرئيس للإرهاب في العالم، أقوى وأكثر رسوخاً من أي وقت مضى... وهذا توحيد للمصالح بالتأكيد!

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer