صدر أخيراً عن {الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية}، كتاب {القصيدة العربية المعاصرة وتحولات النمط} للباحث د. علاء الدين رمضان، ويتناول تشكيل ودلالات اللغة في الشعر العربي الحديث، والتمرد على الجماليات التقليدية، وتأصيل الجذور النقدية لدراسة هذا الشأن، لدى نقاد وفلاسفة ولغويين عرب.

Ad

في تقدمة وافية لكتابه {القصيدة العربية المعاصرة وتحولات النمط}، لفت الناقد

د. علاء أيمن تعيلب إلى استحضار المؤلف للمنهج التكاملي في تشكيل قسمات كتابه، واستعان في بعض مواطنه بالنظرية والتطبيق، وبالمنهج البنيوي، وقدم نماذج من القصيدة العربية الحديثة، راصداً من خلالها الظواهر اللغوية ذات الطابع الجمالي والفني.

ألمح المؤلف إلى تأخر الدرس المنهجي في النقد لدى العرب عن الإبداع بمراحل طويلة، موضحاص أنه اقتصر في الماضي على النموذج والإشادة به أو الانتقاص منه، وأحيانا تجاهله، واستخدام معايير خارجية تتصل بالبيئة والأعراف والتقاليد والعادات العربية.

أشار المؤلف إلى أبرز محطات الدرس النقدي في الفكر الأدبي عند العرب، ويرجع إليها عند البحث عن خفايا النقد في قرون فائتة، وتمثلت في طباطبا العلوي وقدامة بن جعفر وحازم القرطاجني، وتميزوا عن أقرانهم بالوعي النافذ، وإلمامهم بثقافة لغوية ومنطقية، وتحصيلهم لمفاهيم الفلسفة اليونانية.

ويضاف إلى هؤلاء الثلاثة، الإمام عبد القادر الجرجاني، وقد زاوج بين النقد التطبيقي في {أسرار البلاغة} والنقد التنظيري في {دلائل الإعجاز}، وقاس النص بطريقة ذوقية منهجية، وناهض تيار اللفظية، ودافع عن {علم الشعر} وطرح أول نظرية لغوية نقدية في تاريخ النقد العربي.

انتقل المؤلف إلى دور الفلاسفة، وأثرهم العميق في تحديث الشعر العربي، وبرزت جهودهم في ميدان النقد الأدبي، وأول من نبه لدورهم، د. إحسان عباس في كتابه {تاريخ النقد الأدبي عند العرب} وعرض خلاله تصوراتهم حول الأدب عموماً والشعر خصوصاً.

استعرض الكتاب أسماء عدة، ودورها النقدي البارز في القرون الماضية، منهم الفارابي وابن سينا وابن رشد، ودراستهم لكتاب الشعر الأرسطي، واجتهادهم في فهمه وشرحه والبناء عليه، للحد الذي خولهم أن يكونوا مصدرا لدرس {الفكر الأرسطي} في أوروبا خلال عصر النهضة، وترجمت أعمالهم إلى لغات عدة.

 التراث والحداثة

نبه المؤلف إلى أن تغاير الأشكال الشعرية الحداثية، وتجدد الأنماط الأسلوبية للقصيدة المعاصرة، يجب ألا ينفصل عن هموم الواقع الحضاري العربي، وثمة فرق كبير بين أن نحدث ونجدد بتقنيات ثقافتنا وهمومنا الخاصة، وبين استدعاء آليات حداثة الآخرين، وكأن الحقل الثقافي العربي مجرد حقل تجريب ومحاكاة.

حدّد المؤلف مفهومي التراث والحداثة، باعتبارهما أساس مفهوم الشعر الحديث أداة وطبيعة ووظيفة، وما الخروج عن البحر إلى التفعيلة، ونبذ مقولة القاموس الشعري والثورة على القافية الموحدة، والبحث عن مقاييس جديدة، إلا ترجمة لمفهوم مغاير لتلك الثنائية.

ساق المؤلف آراء لشعراء ونقاد حول مفهومهم للحداثة، حيث اتفق يوسف الخال مع ما ذهب إليه عبد الوهاب البياتي وأحمد عبدالمعطي حجازي، أن الحداثة ليست وقفاً على زمن دون آخر، وأن امرأ القيس كان حداثياً في عصره، كذلك كان أبو نواس وأبو تمام وابن الرومي، وفي كل حقبة صراع بين التقليد والتجديد.

وساهمت مجلة {شعر} اللبنانية في ابتكار تيار لغوي جديد، وأفسحت ضمن صفحاتها رقعة لا يستهان بها، لنشر تجارب لأصوات جديدة، ومحاكية لتجارب بودلير ومالارميه ورامبو وسان غون برس وغيرهم.

 

القصيدة الصوتية

 حدّد المؤلف في الفصل الأخير ثلاثة أنماط للقصيدة، أولها نثرية وتعتمد على النمط المعنوي، وتنتمي إليها مجموعة من المؤلفات المؤثرة في حركة الحداثة الشعرية العربية، منها {فصل في الجحيم} لأرثور رامبو، ونمط القصيدة الصوتية، وتنتسب إلى هواة النظم، ومن هنا نشأت التسمية الازدرائية لهذا النوع {النثر الموزون}، والنمط الثالث { الشعر المكتمل} ويجمع بين الأداء الصوتي {الوزن} و{القيمة المعنوية}.