التفاؤل في سورية في غير محله
يعتبر كثيرون في المعارضة أن استمرار الأسد على رأس السلطة في دمشق يشكل مسألة لا تحتاج إلى تفكير، فلا شك أن قوات الثوار التي تقبل بتسوية تبقيه في السلطة تخاطر بفقدان دعم مناصريها، كذلك يجب ألا نخلط بين القبول بوقف لإطلاق النار والقبول بتسوية سياسية يقودها الأسد.
يردد السوريون من كلا طرفي النزاع الرئيسين العبارة ذاتها: يصبح حل هذا الصراع ممكناً عندما يقرر "الكبار" إنهاءه، فقد مرر الكبار "في مجلس الأمن في الأمم المتحدة" قراراً بالإجماع يدعو لمفاوضات سلام ووقف لإطلاق النار بغية توجيه البلد نحو التسوية السياسية.أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد نجاح عملية التصويت: "يبعث هذا المجلس برسالة واضحة إلى كل المعنيين، مفادها أن الوقت قد حان لوقف القتل في سورية، وتمهيد الطريق أمام تشكيل حكومة يستطيع شعب هذه الأرض الذي يعاني منذ مدة دعمها".
عزز هذا القرار داخل سورية وخارجها الأمل في أن يكون هذا بالفعل بداية عملية جدية للتوصل إلى حل، ومن الممكن بالتأكيد تحقيق الكثير، أو منع على الأقل هذا الصراع من الخروج أكثر عن السيطرة.لكن هذا التفاؤل لا يبدو في محله، وخصوصاً أنه لا يرتكز إلى أي تقدّم أو أهداف ممكنة في المستقبل القريب، فبدل التركيز المعتاد على مشكلة توحيد المعارضة حول رؤية واحدة لإنهاء الصراع، من الممكن لوجه واحد يرتبط بالنظام أن يساهم في الحد من تعقيد هذه العملية: مصير بشار الأسد.سعت القوى الغربية والإقليمية خلال هذا الصراع إلى إقناع إيران وروسيا بالتخلي عن الأسد بغية التوصل إلى تسوية سياسية، فإن قبلت إيران بالتخلي عن الحاكم المستبد العراقي نوري المالكي، فلمَ لا تقوم بالمثل مع الحاكم المستبد السوري؟ تستطيع روسيا وإيران، وفق هذا المنطق، الحفاظ على مصالحهما من خلال شخصية حاكمة أشارت دول الخليج نفسها أنها قد تدعمها، مثل الجنرالات العلويين، ومنهم اللواء المتقاعد علي حبيب وآصف شوكت قبل مقتله.لكن مصير الرئيس لا يتوقف على ما تعتقد طهران وموسكو أنهما تستطيعان الاتفاق عليه فحسب، إذ يمثل الأسد استمرار النظام القديم، وقد ضمن استمراره هذا سيطرة النظام النفسية والأخلاقية على أنصاره وحتى على الكثير من معارضيه، فهذا ما يفكر فيه كثيرون في معسكر النظام، عندما يتحدثون عن "مؤسسات الدولة"، بما أن استمرار النظام يعني أن أي حكومة مستقبلية تستطيع العودة إلى بنية الحكم القديمة، حتى لو انهارت في معظم أجزاء البلد. حتى لو حل رئيس علوي جديد محل الأسد، يشك كثير من المقربين من أوساط النظام أن الجميع سينصاعون للرئيس الجديد، فقد بات النظام اليوم في أجزاء عدة من البلد مقسماً إلى فصائل متحاربة يترأسها قادة ميدانيون، علماً أن هذه الفصائل لا تختلف كثيراً عن قوات الثوار، ورغم هذا الواقع ما زالت الأوامر الصادرة من قصر الشعب تُطبق في المناطق التابعة للنظام، مع أن الميليشيات المحلية صارت تتمتع بهامش حرية كبير. على نحو مماثل يتفادى البعض في المناطق التابعة لمجموعات مثل "داعش" الانضمام إلى الفصائل المسلحة أو دعمها علانية مخافة "عودة" النظام.يستطيع النظام احتواء أي شرخ أو انقسامات أو ظهور أسياد حرب فيه، طالما أن الأسد في السلطة.يعتبر كثيرون من داعمي النظام أن "إصلاح ما انكسر" أفضل وأسهل من لقاء المعارضة في الوسط للسير في درب جديد معاً، ويقول البعض إن استمرار الرئيس يشكل الطريقة الأكيدة لتفادي مستقبل أكثر سوداوية، حتى لو تكبد داعمو النظام المزيد من الخسائر، وفي المقابل يعتبر البعض الآخر أن تنازلاً مماثلاً سيدفع المعسكر المعارض إلى السعي باستمرار وراء التغيير، مما يعكس في النهاية سيطرة النظام.على نحو مماثل يعتبر كثيرون في المعارضة أن استمرار الأسد على رأس السلطة في دمشق يشكل مسألة لا تحتاج إلى تفكير، فلا شك أن قوات الثوار التي تقبل بتسوية تبقيه في السلطة تخاطر بفقدان دعم مناصريها، كذلك يجب ألا نخلط بين القبول بوقف لإطلاق النار والقبول بتسوية سياسية يقودها الأسد، ففكرة ذهاب المعارضة السياسية (كم بالأحرى المسلحة؟) إلى دمشق للمشاركة في حكومة، في حين لا يزال الأسد في السلطة، تشكل انتحاراً سياسياً، هذا إن لم نقل فعلياً.ينطبق الأمر عينه على داعمي النظام، فيُعتبر بقاء الأسد في السلطة الطريقة التي تحافظ من خلالها إيران وروسيا على دعم الحكومة الأساسي، هذا إذا استثنينا مصادر الشك الأخرى، ومن المؤكد أن الإطاحة به تضيف عبئاً عمليا إلى مهمتهما في سورية، فلا يمكن توقع عواقب الإطاحة به، ولا يمكن تحديد الثمن الذي قد تتكبدانه إن تخلتا عنه.* حسن الحسن، باحث في برنامج الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا التابع للمعهد الملكي للشؤون الدولية.