انتهت الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، أثار موجة من الجدل خصوصاً في ما يتعلق بأثره على العرب، ودور طهران الحامل لراية مشروع امبراطورية فارسية يستهدف في المقام الأول السيطرة على العالم العربي، ومنه إلى دور عالمي يحيي تلك الامبراطورية الغابرة، التي أسقطت على يد الخلافة الإسلامية منذ 14 قرناً.
كل المخاوف التي أثيرت حول الاتفاق في محلها بعد الأحداث المستمرة منذ العقد الماضي من تمدد لإيران في العالم العربي بتغطية ورضا أميركي– أوروبي مفضوح، ومساندة روسية منسقة معهما، وهو ما يؤكد مقولة هنري كيسنجر أهم وزير خارجية أميركي معاصر: "إن على أصدقاء أميركا أن يخشوها أكثر من أعدائها"، وكذلك تشبيه الخبير في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والاستخبارات الأمير بندر بن سلطان اتفاق أوباما – إيران باتفاق بيل كلينتون– كوريا الشمالية، الذي انتهى بامتلاك بيونغ يانغ قنبلة ذرية، ولكنني أرى أن هناك اختلافاً سيجعل انتصار إيران في الالتفاف على هذا الاتفاق أشد خطورة، لكون كوريا الشمالية لا تملك مشروع تمدد خارجي، وليست لديها إمكانات طهران الاقتصادية وخطابها الأيديولوجي، الذي يزعزع أمن ووحدة المجتمعات العربية المجاورة لها، ويهدد محيطها. إيران في الملعب منذ فترة بلا منافس، ولديها تغطية دولية وإمكانات اقتصادية ومشروع قائم على أيديولوجية تحرك به الداخل العربي من بعض أبناء مذهبها، استطاعت من خلاله اختراق أكثر من دولة عربية، بينما نحن بلا أي خطط لعب، فعندما قررنا مواجهة ثورة الخميني وشعارها "تصدير الثورة"، قرر البعض عندنا مواجهته بالخطاب الديني السني عبر "الإخوان المسلمين" و"السلفية"، وكان ذلك هو الخطأ القاتل، فأكسير الحياة للأنظمة الثيوقراطية هو إعلان الحروب الدينية المقدسة عبر المواجهات الطائفية، وهو شعار معارك الحرس الثوري الإيراني الآن بعد أن سقط شعار تحرير القدس، وفقد مصداقية رافعيه في طهران.منذ سنوات كنا نرصد ما تفعله إيران لتدفع العرب الشيعة إلى السقوط في أحضانها، ولا يوجد مقتل للنظام الإيراني سوى وجود دولة عربية مدنية تجمع جميع المذاهب تحت سقف المواطنة فقط، لذلك يمنع الإيرانيون قيام الدولة اللبنانية المدنية الجامعة، كما استقتلت طهران في تخريب مشروع الدولة العراقية المدنية الفيدرالية عبر الميليشيات العراقية التي أنشأتها وعميلها في سورية بشار الأسد "لتثوير" سُنة غرب العراق، وإدخال إرهابيي تنظيم القاعدة والسلاح عبر الحدود السورية منذ ربيع 2003 وعشية سقوط نظام صدام حسين، لإقناع شيعة العراق بأنه لا قيام لدولة مدنية بل لدولة ذات مرجعية دينية شيعية موالية لإيران، التي ستدافع عنهم وتحميهم، وكذلك لدفع واشنطن إلى التفاهم معها كخيار لا بديل عنه في المنطقة لحفظ مصالحها. العرب الآن خائفون ومتوجسون بعد الاتفاق الأميركي- الإيراني، ولكن إلى متى سيستمر الخوف؟ ومتى سيبدأ العرب العمل؟ وهل لديهم خطة للعب؟... بالطبع لا، فهناك أفكار سطحية وبلا أفق، مثل بناء علاقات بديلة عن واشنطن مع فرنسا وروسيا! وهو وهم لا طائل من ورائه، حيث إن الجميع في الغرب مع موسكو متفقون على الدور الإيراني المطلوب أن تلعبه في المنطقة ولكنهم يتبادلون الأدوار، لذا فإن بداية التصدي لذلك الدور الذي يستهدفنا يكون بتحصين دولنا من الاختراقات الكبيرة لمجتمعاتنا عبر مشروع مدني يعيد كل الأدوات التي تستخدمها إيران من أبنائنا لضربنا إلى مواطنتهم وعروبتهم، ومحاصرة الفكر الديني السني السلفي الداعشي ذي المرجعية الوهابية، الذي تستخدمه طهران مع حلفائها لتشويهنا، ولتقديم نفسها على أنها الحليف الموثوق به لمحاربة هؤلاء، وأنها الوجه الإسلامي المعتدل، وخط دفاعنا الأول يبدأ بتحولنا إلى دول مدنية ديمقراطية حقة، لمنع مؤامرة استنزافنا في حرب طائفية طويلة، وكل ذلك يؤسس لاستحقاقات جادة وعمل شاق أمامنا، فالمرحلة المقبلة حرجة... فهل سيكون العرب، خصوصاً أهل الخليج العربي، مستعدين لها في ظل تهاون مصر -أكبر دولة عربية سكانياً- وعدم تقديرها لحقيقة الخطر الإيراني ومحاولتها اللعب والمساومة بهذه الورقة مع الخليجيين؟!
أخر كلام
إيران في الملعب بلا منافس!
23-07-2015