منذ سنوات والمقال يجول في خاطري... تراودني نفسي لتسطير حروفه، ويأبى عقلي ذلك، فكيف أكتب مقالاً عن مولاي وسيدي وأنا لا أُجيد الحبك والنظم، إذا كنتُ سأكتب فإما بماء الذهب وإما فلا، ثم راجعت أفكاري وبدأت أتفكر: هل العلاقة مع الله بهذا التعقيد الذي قيّدت نفسي به، أم أن الله تبارك وتعالى معنا، يقبلنا في جميع أحوالنا... يعلم نوايانا ومحبتنا له، يعلم أننا مهما قدمنا له من شكر فسنكون مقصرين؟!

Ad

سمعت أبياتاً من الشعر هزت مشاعري هزاً، وجدت أبياتها تحاكيني، تخبرني أنني لست بحاجة إلى سبك الحروف سبكاً، بل إلى تقديم ما أستطيع، فالله سبحانه أقرب إلينا من كل شيء، فهو المحسن، وهو الذي عودنا على الفضل والسبق، وهو الله الذي يُكرمنا وإن قصرنا في حقه:

أتيناك بالفقرِ يا ذا الغـنى

وأنـت الذي لم تزل محسنا

وعــودتَنــا كل فضـــــلٍ عسـى

يدوم الذي منك عــودتَنـا

إذا كنتَ في كل حالٍ معي

فعن حمل زادي أنا في غـنى

لسنا بحاجة إلى أحد لكي نكون مع الله، فهو قريب، مجيب، يسمعنا، وينظر إلينا، ويعلم سرائرنا، جدير بنا أن ندرك أن الله تعالى معنا في كل حال، مع الله في سبحات الفكر... مع الله في لمحات البصر... مع الله في تقلبات الدنيا، مع الله في كل حال، مع الله في ضعفنا، مع الله عند اشتداد الكرب، مع الله في الوصول إلى الإنجاز، مع الله في الفرح، مع الله والنفس وحدها، مع الله والقلب يشكو القهر.

كلنا في كل حال مع الله! فالسجين في زنزانته يرجو الفرج من الله، والتاجر الذي ربح أموالاً طائلة يتصدق بجزء منها في سبيل الله، والطالب عند تقديم الاختبارات لا يطلب سوى التوفيق من الله، مع الله في الفرح والترح، مع الله في الغنى والفقر، مع الله في الفوز والخسارة، مع الله في الحزن والسرور، مع الله في كل حال.

لا تطلب حاجتك من أمير أو وزير، كن مع الله يكن الله معك.

يروي لي أحدهم أنه كانت له حاجة، فدعا الله، عز وجل، مراراً أن يجعل فلاناً من وجهاء الدنيا ينظر في أمره، ويوقِّع على حاجته، وظل يدعو ويتضرع، فكان له ما أراد، ووصلت حاجته إلى الأمير أو الوزير الذي ظن أن حاجته عنده، ووقّع كما طلب الرجل في دعائه، لكن العجيب أنه رغم الموافقة لم تُقضَ حاجته، بل ظلت الورقة كما هي بين يديه، وعليها توقيع الوجيه! ويستدرك فيقول: والله كأنّ الله، سبحانه وتعالى، يخبرني أنّ الحاجات لن تقضى إلا بفضلٍ منه، سبحانه وتعالى، فصرت أدعو وأتضرع، وقلبي متعلق به سبحانه، فقضيت حاجتي دون توقيع أحد!

مع الله بقلوبنا وعقولنا، مع الله رغم ذنوبنا، على الله نتوكل حق التوكل، فهو رازق المتوكلين، الذي يعلقون آمالهم عليه، ويتقبلون قضاءه بابتسامة؛ لأنهم يعلمون أن ذلك خيرٌ لهم... كم من مُقدمٍ على عمل مهم في حياته يستخير بجوارحه، لا بقلبه، ويظن أن الاستخارة هي هاتان الركعتان اللتان يحسن وضوءهما، ثم يمضي في ما خطط له، ويحسب أن ذلك هو الاستخارة!... الإسلام ليس طقوساً تؤدى، الإسلام حياة... إذا كنت مع الله فهذا يعني أن تتوكل عليه، وتحسن الظن به، وتتيقن أن ما يحصل لك هو خير لك، فإذا أردت أن يكون الله معك في كل أحوالك فالرضا بما يقسمه الله لنا هو أول ما يجب فعله.

ألا تعجبون ممن يرفع يديه، يدعو الله، ويطلب حاجته، وعندما ينتهي يقول لك: ها أنا دعوت وأعلم أن حاجتي لن تنقضي! كيف ترجو قضاء حاجتك وأنت لم تتوكل على الله حق التوكل؟! لمثل هذا أقول: ألم تسمع بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره"؟ يا الله، تدبروا في الحديث، يقسم على الله فيبره، ما مدى إخلاصه؟! سبحان الله العظيم الكريم، يجب ألا تكون أشعث أغبر كما يظن بعض الناس، لكن يجب أن تكون واثقاً مطمئناً بأن الله ناصرك، معطيك مسألتك، مجيب دعوتك، كن مع الله مرتاحاً لما سيعطيك، وعالماً بأنه سيغنيك، مدركاً أن مشيئته فوق كل شيء.

على الإنسان أن يدرك أنه مهما عظمت ذنوبه فعفوه سبحانه وتعالى أعظم، فمن أسماء الله عز وجل الرحيمُ، التوابُ، الغفورُ، وهذه من رحمته بنا حتى لا يقتصر الدعاء على المحسنين الصالحين. مع الله في كل أحوالنا، مع الله لأنه يحب التائبين المنيبين، مع الله لأنه يجيب الداعين الملحّين، مع الله فهو العظيم.

شوارد:

"تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة". حديث شريف.

كونوا مع الله، يكن معكم، فالله عظيم حليم، لا يرد سائلاً، يحب أن يرى عبده يتضرع له، لا تيأس فمن أدمن قرع الباب فُتِح له، ولا تبتئس إن عظمت ذنوبك، فالله يحب التوابين ويعطي السائلين.