تجلى أخيراً التحدي الذي تواجهه حركة طالبان مع وفاة الزعيم محمد عمر، كاشفاً عن واقع مفاجئ: أخفت الحركة وفاته طوال سنتين، فعندما أشيع خبر وفاته لم نرَ في طالبان أي إجماع حول هوية مَن سيخلف رجل الدين المنعزل هذا أو ما الاستراتيجية التي ستتبعها الحركة حالياً، ويُعتقد أن «الأمير» الجديد الذي أُعلن عنه أخيراً، أخطر محمد منصور ملء الفراع الذي خلّفه عمر منذ وفاته، إلا أن سلطته تعرضت في الحال للتحدي من أخي الزعيم السابق وابنه.

Ad

كثرت البيانات والتقارير المتضاربة، فقد وُصف منصور بالحليف المقرّب من السلطات الباكستانية التي دعمت أخيراً محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية، ولكن في تصريحه الأول ندد بالمحادثات، وذكرت بعض التقارير أنه على خلاف مع باكستان، إلا أن الإعلان الأول عن موت الملا لم يأتِ من طالبان، بل من الحكومة الأفغانية، مما عزز التخمينات حول سعي المسؤولين في كابول أو ربما إسلام أباد إلى زعزعة محادثات السلام، وإن صح ذلك فقد نجحوا: فقد ألغي ما كان يفترض أن يكون أخيراً اللقاء الثاني بين الطرفين.

أعلن المسؤولون الأميركيون أنهم يأملون أن تؤدي عملية انتقال القيادة إلى تأكيد التزام طالبان بالتوصل إلى تسوية مع حكومة أشرف غني الأفغانية، التي بذلت مجهوداً جباراً للتحاور مع المقاتلين ورعاتهم الباكستانيين، ومن المنطقي أن يقود منصور، الذي يُعرف باعتداله النسبي، هذا الجهد بدعم من إسلام أباد.

لكن الأكثر احتمالاً تفكك الحركة، مع اختيار عدد من الفصائل مواصلة القتال أو ربما الانضمام إلى تنظيم «داعش»، الذي بدأ يعزز وجوده في أفغانستان وباكستان، فقد سبق أن تحدثت وسائل الإعلام الأفغانية عن صدامات بين المجموعات المتنافسة في مدينة كويته الباكستانية، حيث تتمركز قيادة طالبان، حتى إن أحد التقارير أشار إلى أن ابن عمر كان بين القتلى.

تشكل حركة طالبان المتفككة نظرياً خطراً أقل على الحكومة الأفغانية، ولكن حتى مع رحيل زعيمها، بدت وطأة هذه الحركة العسكرية أقوى من أي وقت مضى خلال فصل الصيف، ونتيجة لذلك تكبدت قوات الحكومة خسائر كبيرة حين حاولت منع طالبان من الاستيلاء على عدد من المدن المحلية، بالإضافة إلى ذلك يشكل تنظيم «داعش» خطراً لا يُستهان به، بما أن نموه قد يلغي الحل السياسي، متحولاً إلى مقصد جديد لكل الإرهابيين الذين يودون تنفيذ الاعتداءات ضد أهداف غربية.

في مطلق الأحوال يشكل عدم اليقين الناجم عن قوة طالبان العسكرية الحالية وتشتت قيادتها سببين إضافيين يجب أن يدفعا الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إعادة النظر في خطته القائمة على الدوافع السياسية الرامية إلى سحب القوات العسكرية الأميركية من البلد، مبقياً على مهمة صغيرة مقرها في السفارة، بحلول نهاية عهده. فالولايات المتحدة بالتأكيد ستواصل دعم الجيش الأفغاني بالمدرّبين والمساعدة اللوجستية بعد السنة المقبلة، وقد يقوّي أوباما موقف مَن يميلون اليوم في طالبان إلى التسوية، وبإبقاء القوات الأميركية المناهضة للإرهاب منتشرة في البلد قد يضمن عدم تحول أفغانستان إلى معقل جديد لتنظيم «داعش».