مجاملة الأولاد... الاعتدال مطلوب
يبدي الأهل حماستهم وتشجيعهم للطفل منذ خطواته الأولى ويصفقون له حين يقوم بأبسط الأمور. لكن هل يجازف هذا السلوك بجعل الطفل شخصاً أنانياً حين يكبر أم يساعده للتحول إلى شخص متوازن يتمتع بثقة قوية بنفسه؟ بحسب رأي الخبراء، يجب تشجيع الطفل على بناء {الأنا} بشكل سليم، لأن غياب {الأنا} والوعي الذاتي قد يكون مصدر معاناة كبرى. لذا لا بد من حماية {الأنا} تزامناً مع تجنب إهانتها وخيانتها...
كيف يمكن أن نساعد الأولاد على بناء ثقتهم بنفسهم من دون بلوغ حدود النرجسية؟ يكشف الخبراء في ما يلي عن فن المجاملات الدقيق الذي يلبّي حاجات الطفل الحقيقية.
المجاملة لا تعني التملق!إذا أصبحت المجاملات مفرطة، فهي لن تضمن نشوء الظروف الملائمة لاكتساب الثقة بالنفس وبناء {الأنا} بطريقة سليمة. يظن بعض الأهالي أن المجاملات تقوي ثقة الطفل بنفسه، فيسعون إلى طمأنته في لحظات الشك، كما يحصل حين يرسب في امتحان معين أو يخسر مباراة رياضية، لكنهم يبالغون في سلوكهم ويوزعون المجاملات في جميع الاتجاهات ويجازفون بإخفاء الحقيقة أحياناً.في المقام الأول، يجب أن يفهم الجميع أن الطفل ليس غبياً ولا شك في أن المجاملة التي لا تكون صادقة ستنعكس سلباً على طريقته في إصدار الأحكام. هكذا يعطي المديح المفرط نتائج عكسية، فتضعف شخصية الطفل بدل أن تزداد قوة. يكون التملق في هذا المجال أشبه بمخدّر وسرعان ما يعتاد الطفل على هذا الأسلوب. حين يصبح هذا الشخص راشداً، سيفتقر بشكل عام إلى الاستقلالية ويبحث دوماً عن اهتمام الآخرين به.التملق ليس عاملاً مساعداً!لا ترتكز المجاملة الخاطئة على أفعال الطفل بل على مخاوف الراشدين المحيطين به حين يكون حزيناً أو محبطاً أو مستاءً فتتأثر ثقته بنفسه. نحرمه بذلك من اختبار الشعور بالخيبة. يعكس التملق الرغبة في مجاملة الذات قبل الطفل. وقد لا يستفيد الأخير إذا لم تركز المجاملات الصادقة عليه. حين نكرر له أنه أفضل من الجميع كي يبادلنا الحب أو كي يقدّر نفسه، سنخطئ الهدف.لا داعي لمقارنته بغيره دوماً لأن الميل إلى التملق يكون مشحوناً بالعواطف عموماً. هو يعوّض عن النقص الذي عاشه الأهل في طفولتهم. هكذا لا يعود الطفل محور تركيزهم كشخص بحد ذاته بل يصبح امتداداً لهم. استعمال الكلمات المناسبةكيف يمكن تجنب الانحراف عن المسار الصحيح؟ يجب تشجيع الطفل على الاستمتاع بنجاحاته الحقيقية. إنها طريقة متوازنة لبناء {الأنا} لدى الطفل وتعزيز الوعي الذاتي في داخله. قد تكون المجاملات مفيدة للطفل لكن يجب تجنب المبالغات! أفضل ما يمكن فعله هو قول الحقيقة.ما النفع من إقناع الطفل بأنه موهوب في الرياضة مع أنه يحتل المرتبة الأخيرة في البطولة؟ من الأفضل أن يفهم أن الشخص لا يمكن أن يبرع في كل شيء. كي يكتسب الطفل الثقة بنفسه، يجب أن يحصل على المنسوب الصحيح من الحب والتشجيع والتقدير، لكنّ الأهم هو توفير الجرعة الملائمة من هذه العوامل. من خلال أخذ شخصيته بالاعتبار، يمكن استعمال المجاملات التي تناسب حاجاته. يحتاج الطفل المتحفظ إلى التشجيع، بينما يحتاج الطفل الجامح إلى ضوابط معينة.يجب اختيار أسلوب الكلام بحسب عمر الطفل. لا مفر من تشجيع الطفل حين يخطو خطواته الأولى. لكن لا يعود الكلام المنمق ضرورياً بعد عمر العاشرة أو الثانية عشرة. يجب أن نراعي مشاعر الأولاد والأحداث التي يعيشونها ويتأثرون بها. من الطبيعي والضروري مثلاً أن نطمئنه بشأن قدراته إذا أهانه أحد رفاقه في المدرسة! تكون المجاملة في هذه الظروف صائبة لكنها قد تصبح مفرطة وفي غير محلها في ظروف أخرى.تقدير قيمة الأفعالالثقة بالنفس ليست فطرية بل يكتسبها الطفل نتيجة تجاربه المتلاحقة، سواء كانت سلبية أو إيجابية. حين يجامله الأهل بشأن أمر ليس مسؤولاً عنه مثل جماله وذكائه، سيشعر بأمان مزيف وسطحي. يجب أن يفهم الأسباب التي يتلقى التهنئة عليها. ينجم الوعي الذاتي السليم عن إدراك ضرورة العمل على الذات: يجب أن ينام باكراً كي يتمتع بكامل نشاطه في مباراة الغد، ويجب أن يجتهد كي ينجح في امتحاناته...باختصار، يجب أن يختبر هذه العلاقة السببية كي يبني {الأنا} بطريقة صحيحة. لا يدرك الأهل أحياناً أن الطفل هو كائن في طور النمو وحين يجاملونه من دون سبب، قد يحبسونه في دور يخشى الخروج منه، فيخاف من الفشل والتعرض للخداع وفقدان حب الآخرين. لكن ماذا سيحصل عندما يكبر ويفقد جزءاً من {جماله} أو حين يفشل في تجارب معينة رغم ذكائه؟يمكن تجنب هذا النوع من الخيبات الكبرى من خلال تقدير جهوده الحقيقية وإعادة التـأكيد على قدراته القيّمة وتشجيعه للحفاظ على حيويته. من الأفضل تقدير أفعاله ومبادراته وسلوكياته وطريقة تعامله مع الآخرين بدل توزيع المجاملات الفارغة من المضمون.باختصار، يمكن استعمال المجاملات كطريقة للتشجيع لكن من دون اعتبار الطفل أجمل وأقوى الأولاد بالضرورة. حين نشعر بفخر حقيقي بعد نجاح الطفل في مجال معين، من الطبيعي أن نعبّر عن هذه المشاعر الإيجابية والصادقة. المهم هو توزيع الأدوار بالشكل المناسب بين الوالدين: إذا كانت الأم تبالغ في حماية طفلها مثلاً، فيجب أن يعوّض الأب عن ذلك بصرامته. وحين يتكلم الأهل من صميم قلبهم، سيشعر الطفل بذلك حتماً. في النهاية تبقى المجاملة الصادقة تعبيراً عن الحب...