لم يكن أحد من الذين خططوا لهذه الجريمة يتوقع أو يدور في خلده هذه المبادرة الشجاعة من صاحب السمو الأمير، لأن التلاحم بين  أبناء الشعب، وبينهم وبين الأسرة الحاكمة كان عصياً على تفكيرهم الضيق السقيم، الذي استولى عليه منهجهم في الإرهاب والقتل وسفك المزيد من الدماء في كل أرجاء المعمورة.

Ad

صاحب السمو وأد الفتنة

تناولت فيما كتبته حول الجريمة البشعة التي ارتكبتها آلة القتل البشرية في مسجد الإمام الصادق، في مقالين متتالين يومي الأحد 5 و7 من شهر يوليو، التلاحم الوطني بين فئات الشعب، فور وقوع هذه الجريمة، خلف أمير البلاد الذي انتقل فور سماعه نبأ الجريمة البشعة، ليقف إلى جانب شعبه، يطمئن ويواسي، دون تردد أو خوف أو وجل، فالجميع يعلم أن من خططوا لهذه الجريمة لإثارة الفزع وعدم الاسقرار في البلاد، وإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، لجره إلى حرب أهلية، يتوقعون أن تتدافع الناس إلى موقع الجريمة، فيتم تفجير ثان وثالث، لحصد مزيد من الدماء والضحايا، ولم يكن ذلك خافيا على صاحب السمو عندما اتخذ قراره الجريء والشجاع، ولكنه كان حريصا على وأد الفتنة، أكثر من حرصه على حياته، فأكبر النار من مستصغر الشرر.

التلاحم الوطني تلاحم مصيري

وأزعم أن أحدا ممن خططوا لهذه الجريمة، لم يكن يتوقع أو يدور في خلده هذه المبادرة الشجاعة من صاحب السمو الأمير، لأن التلاحم بين  أبناء الشعب، وبينهم وبين الأسرة الحاكمة كان عصياً على تفكيرهم الضيق السقيم، الذي استولى عليه منهجهم في الإرهاب والقتل وسفك المزيد من الدماء في كل أرجاء المعمورة، ويبدو أنهم في فهمهم السقيم الضيق لم يأخذوا درساً من التلاحم الوطني لهذا الشعب في أعقاب عدوان صدام الغاشم، فقد كان الانتماء الوطني لهذا الشعب والأسرة الحاكمة في الطائف وفي صمود هذا الشعب، والمقاومة الباسلة التي أبداها أبناءه على الأرض لدحر هذا العدوان، أروع مثال على حب الشعب لترابه الوطني.

وإذا كان أعضاء جماعات التكفير والهجرة التي تقف الآن خلف "داعش"، يبررون جرائمهم البشعة وسفك دماء كل من لا يبايعهم بدعوتهم إلى إقامة دولة إسلامية، فإن الفكر السقيم لصدام حسين، قد سوق لعدوانه الغاشم على الكويت، مبررا سقيما آخر هو المبادئ القومية المؤمنة، وأنه لولا جيش العراق لاحتل الأجنبي الكويت، وأنه كان دفاعا عن النفس وحماية لكل ما هو عزيز، وهو ما جاء في نص ما أسماه صدام حسين اعتذاراً في ديسمبر 2002، أفرغه صدام من مضمونه.

وطن يعيش في دماء المقيمين

ولكن هناك موقف إنساني آخر لا يقل روعة عن موقف الشعب الكويتي في تلاحمه الوطني، ذلك الموقف الذي تمثل بمئات من المقيمين، الذين وقفوا صفوفا متراصة أمام بنك الدم للتبرع بدمائهم لضحايا هذه الجريمة البشعة.

وأجزم أن كثيرا من المقيمين الذين بين هذه الصفوف كانوا يحسون بأن الكويت وطن يعيش في دمائهم التي جاؤوا ليتبرعوا بها، وأنهم جميعا وبلا استثناء قد غلبهم العامل الإنساني على أي اعتبار أو سبب آخر.

ولم يفاجئني الصديق العزيز أبو طلال عندما جاءني يطري على المقيمين، بدءا بالمصريين وغيرهم من جنسيات أخرى عربية وآسيوية، وأن بعض المصريين جاؤوا بكراتين من المياه لتوزيعها على الذين ينتظرون دورهم في التبرع، ولكنه فاجأني عندما ساق تفسيرا لذلك، بأن الكويت لها فضل على الجميع.

قالها باستعلاء شديد: ليجرد المقيمين حتى من إنسانيتهم، ولم يترك لي الصديق العزيز أبو فهد، الذي كان يجمعه بنا هذا اللقاء، مجالا للرد عندما بادر بسؤال وجهه إلى أبي طلال هو: وما هذا الفضل إذا كان المقيم يحصل على أجره مقابل العمل الذي يؤديه؟ ثم استطرد يقول: لقد كان للوافدين الأوائل على الكويت من علماء وأساتذة جامعات وخبراء الفضل في هذه النهضة التى تعيشها الكويت الآن.

متى تتوقف ثقافة العداء للمقيم؟

والواقع أن نبرة الاستعلاء التي بدت في تعليق أبي طلال التي جرد بها هذا الموقف الإنساني من إنسانيته، متجاهلا الحب الجارف للكويت في هذه التظاهرة من كثير من المقيمين، هذه النبرة بدأت تتنامى مع تنامي ثقافة دخيلة على المجتمع الكويتي، يبذر بعض المسؤولين بذورها بتصريحاتهم التي يدلون بها كل يوم، والتي تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد اليومية، والتهديد الذي يلازمها بالترحيل، فضلا عن القرارات التي يصدرها المسؤولون أو يلوحون بها في التفرقة غير المبررة بين الكويتي وغير الكويتي، وأساليب الإثارة التي تسوق بها الصحافة هذه التصريحات وهذه القرارات، والتي أصبح يجمعها فن هابط هو فن العكننة على المقيمين.

وهم يتخذون هذه القرارات دون أي دراسة لمردودها الاقتصادي أو الاجتماعي، أو تأثيرها على تاريخ طويل من التعايش والتناغم بين المواطنين والمقيمين في هذا البلد، فطالما أن القرار لا يمس المواطن فهو لا يحتاج إلى دراسة، وعلى المقيم الذي يتضرر من القرار أن يرحل، وسوف يصبّ ذلك في النهاية في جلب أعداد متزايدة من الطيور المهاجرة من بلادها بحثاً عن فرصة عمل، لتزيد أرباح تجار الإقامات، ولتدور العجلة مرة أخرى على هذه الطيور، في حلقة مفرغة لا تساهم في علاج الخلل فى التركيبة السكانية بل تزيدها تعقيدا.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.