كبير في الخوف أنت

نشر في 12-07-2015
آخر تحديث 12-07-2015 | 00:01
 ناصر الظفيري كبير أنت ياوطن حين يحاصرك البغي والحيف، وكبير حين تشعر أنك تدافع بك عنك، كبير حين تشعر بما يهدد وجودك فتتحد قلوبك كقلب كبير مثلك، وتتغير ألوان دمك فجأة لتصبح بلون واحد وحيد. حين تشعر أنك في خطر تنتفض فجأة لتنتبه إلى أنك الآن جسد واحد تفرق في أجساد متعددة، ومشارب شتى عادت روافدها إلى بحرك الأم. جميل أنت حين تمد كل أياديك السمراء إلى القذى في عينيك كيد واحدة، جميل حين تجمع دماءك ذات اللون الواحد لتعوّض الدماء التي نزفت منك فيك ومن أجلك. صورتك الصغيرة تكبر في أعين محبيك وتعظم في أعين مبغضيك فتكون وطناً مثالاً وأنموذجاً يود الجميع أن يرى صورته في المرآة كما أنت.

 جميل وكبير وعظيم أنت حين يداهمك الخطر، فقط حين يداهمك الخطر، لكن أبناءك يا وطني الجميل كالصبية حين يخدشون بشرات بعضهم ويقذفون بعضهم بالحجر والكلام، يتشاتمون ويتباغضون ويتوعدون، يتنابزون بألقابهم الدينية والقبلية والعائلية وبأرصدتهم المالية ومراكزهم الاجتماعية وتاريخ وصول آبائهم إليك، يملؤون الصحف بالحبر الفوقي والمنابر بالكلام الطائفي، وحين يداهمهم خوف ما يهربون إليك يختبئون خلف عباءتك التي مزقوها قبل قليل، يلوذون بك كما يلوذ الصبية بأمهم، ويتنظرون زوال الخطر ليعودوا إلى ما كانوا عليه... هؤلاء الصبية لن يبلغوا سن الرشد أبداً، لم يبلغوه في ستينيات قاسم ولا ثمانينيات حرب الخليج ولا تسعينيات الغزو ولا في هذه السنة الفارقة، صبيتك يا وطنى لن يبلغوا سن الرشد أبداً.

سيعودون، وأتمنى ألا يعودا، إلى ما كانوا عليه حين يزول الخطر الذي فاجأهم ولم يفاجئهم، سيتذكرون أنهم تساووا فجأة وتوحدوا فجأة والتزموا خطاباً وطنياً واحداً فجأة، وما يحدث فجأة سينتهي أيضاً فجأة... سيعودون، وأتمنى ألا يعودا، حين تجف الدماء ويذهب الحزن وتخلع النسوة السواد، ويتذكرون أن طبقاتهم التي عاشوا عليها واعتاشوا منها تلاشت، سيتذكرون أنهم نبذوا طائفيتهم وقبليتهم ومناطقيتهم وعائليتهم وكانوا يسيرون نحو الدولة المدنية التي كرهوا نشأتها منذ نشأتهم، سيتذكرون أنهم كادوا أن يكونوا واحداً تحت علم واحد وتضيع منافعهم الخاصة في سبيل العام، وسيعودون، تحت وطأة التمييز وابتعاداً عن سطوة العقد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، إلى ما كانوا عليه.

كنا نشاهدك من بعيد ونشير إليك هنا "انظروا هذه الكويت الصغيرة التي لن تعرفوها ولن تفهموها، حين تقدم شهيداً لا تعرف إلى أي بيت تتجه لتقدم فيه العزاء، ولا تعرف أي عينين أكثر حزناً وأقرب إلى الشهيد من أم الشهيد وأبيه وبنيه"... كنا نشاهدك ونفاخر بك ونتمنى أن تبقى هكذا جميلاً وكبيراً وعظيماً... فهل حقا ستبقى؟

كبير أنت وجميل أنت وعظيم أنت حين يداهمك الخطر، فهل علينا أن نبقي هذا الخطر يحاصرك لتبقى كبيراً وعظيماً وجميلاً يا وطن؟ آه يا وطن!

back to top