أزمة الرأسمالية وبروز اليمين الفاشي
أثناء الأزمات الاقتصادية الرأسمالية تبرز عادة قوى اليمين الفاشي التي تعمل على توجيه أنظار الناس إلى مشاكل فرعية، ومسائل ثانوية، وقضايا عنصرية تدغدغ عواطفهم أو تثير الرعب بينهم وتجعلهم ينشغلون بأنفسهم، فلا يولون أي اهتمام أو بحث جدي عن الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية التي يتحملون جميعا مشقتها ويعانون تبعاتها مثلما حصل بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية (الكساد الكبير) عام 1929 وبروز الفاشية والنازية، ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها ملايين البشر الأبرياء، وتم تدمير مدن بأكملها عندما استخدمت أميركا القنابل النووية لتدمير مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.والآن أيضا حيث تعاني الرأسمالية أزمة اقتصادية بنيوية، فإنه من الملاحظ بروز النزعة الفاشية بالذات في أوروبا وأميركا، إذ بدأ يعلو صوت اليمين الفاشي والعنصري بعد الجرائم الإرهابية الهمجية التي ارتكبها مؤخرا اليمين الديني الفاشي (داعش) في باريس.
وكما هو متوقع فإن وسائل الإعلام المملوكة من كبار أباطرة رأس المال تساهم مساهمة كبيرة ومقصودة في نشر هستيريا الخوف بين الناس لا سيما بعد جرائم الإرهاب الأسود، بحيث تجعلهم يتناسون أهمية تغيير الوضع القائم والبحث عن نظام اقتصادي ذي توجه إنساني مع تحميل كبار الأثرياء مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة، بل يصدقون أي ادعاءات سخيفة وتافهة يروجها اليمين الفاشي حول أسباب بؤسهم، وشقائهم، وظروفهم المعيشية القاسية مثل أن أسباب الأزمة هي أصول المواطنين، أو أعراقهم، أو دينهم، أو مذاهبهم، أو لون بشرتهم، أو أن سببها هو وجود عدد من اللاجئين الذين فروا من بلدانهم طلبا للسلامة، وبحثا عن مصدر للرزق، ثم المساهمة في تنمية اقتصاد البلد الذي يقيمون فيه.وبجانب استغلال الرأسمالية المعولمة النزعات الفاشية والعنصرية المرافقة لأزماتها الاقتصادية لإلهاء الناس، فإنها، ولكي تخفف من حدة الأزمة، لا تتردد في خوض حروب عالمية تدمر العالم وتجعله أكثر بشاعة ووحشية مما هو عليه الآن، وهو الأمر الذي يستدعي تضافر جهود قوى التغيير الديمقراطي، والسلم، والحرية، والتقدم حول العالم بحيث يرتفع صوتها من أجل طرح البديل الإنساني المناهض للرأسمالية الاحتكارية المتوحشة، وتوعية الناس حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية-السياسية العالمية الحالية، وحول طبيعة التنافس الشرس الحالي بين قوى الرأسمالية المعولمة من أجل اقتسام مناطق النفوذ السياسي في العالم بشكل عام، وفي منطقتنا على وجه الخصوص، والذي يدور حول مصالحها الاقتصادية فقط بغية تخفيف وطأة الأزمة عليها حتى لو أدى الأمر إلى نشوب حروب فيما بينها، أو دعم ميليشيات دينية متطرفة سواء "القاعدة" و"داعش" وإخوانهما أو قوى وميليشيات شيعية متطرفة، فضلا عن ارتكاب مجازر إبادة بشرية، وجرائم ضد الإنسانية كما يحصل حاليا، مع كل أسف، في سورية والعراق. وإن آخر اهتمامات الرأسمالية الاحتكارية المتوحشة هو المحافظة على البشرية، وحماية السلم العالمي، أو نشر الديمقراطية والحرية مثلما ادعت أميركا وبريطانيا عند احتلالهما العراق عام 2003، في حين قامتا، في الواقع، بتسليمه إلى قوى طائفية موالية لإيران ومعادية للديمقراطية والحريات، وها نحن اليوم نرى النتائج الكارثية للاحتلال على المستويات كافة ماثلة أمام أعيننا.