في العدد رقم 2860 الصادر يوم الأربعاء 11 نوفمبر الجاري كتبت في هذه الزاوية أتنبأ بأن المخرجة هالة خليل لن تُشارك في الدورة 37 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وأنها ستشد الرحال، ومعها فيلمها الجديد «نوارة»، إلى «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، لتلحق بدورته الثانية عشرة (9- 16 ديسمبر 2015)، وقلت إن طموحها يتجاوز كثيراً «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، الذي لا يمنح جوائز مالية، إلى الفوز بإحدى جوائز مسابقة «المهر للأفلام الروائية»، التي تبلغ قرابة 120 ألف دولار!

Ad

يومها تشكك البعض في ما كتبت، وتوجس البعض الآخر منطلقاً من تأكيدات الناقد يوسف شريف رزق الله المدير الفني لمهرجان القاهرة بأن «نوارة» سينضم إلى فيلمي «من ضهر راجل» إخراج كريم السبكي و{الليلة الكبيرة» إخراج سامح عبد العزيز في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهو التأكيد الذي عاد لينفيه، قبل ساعات من انطلاق المهرجان المصري، ويُعلن أن «نوارة» لن يُشارك في فعاليات الدورة 37، ومن ثم تحققت نصف النبوءة، رغم تجدد محاولات التشكيك فيها من خلال القول إن قائمة الأفلام الثماني عشرة المشاركة في مسابقة «المهر للأفلام الطويلة»، التي تتنافس على جوائز الدورة الـثانية عشرة في «مهرجان دبي السينمائي الدولي» لم تتضمن أية إشارة إلى وجود فيلم «نوارة». وتجاهلوا أن إدارة المهرجان كانت ترتب حساباتها بمقتضى البيت الشهير في ديوان الحماسة لأبي تمام: «فاطْلُبْ لرجلك قبل الخَطْوِ مَوْضِعَها... فَمَنْ عَلاَ زَلَقاً عن غِرَّة زَلجَا»، إذ أكدت أنها «الدفعة الأولى» تاركة الباب موارباً أمام جميع الخيارات، وهو ما حدث بالضبط مع الإعلان عن الدفعة الثانية التي ضمت «نوارة»!

تحققت النبوءة، ولم أكن بالطبع أرجم الغيب أو أقرأ الفنجان، وأوشوش الودع، لكنني كنت أقرأ المشهد السينمائي في مصر، وأتطلع إلى الخطوط المنقوشة في كف الأزمة التي تكاد تفتك بصناعة السينما المصرية، وتُجبر أبناءها على البحث عن دعم مادي يُقيلهم من الهوة السحيقة التي تنتظرهم، بدليل أن هالة خليل لم تذهب وحدها إلى «دبي»، وإنما طار معها المخرج محمد خان بفيلمه الجديد «قبل زحمة الصيف» وانضم إليهما المخرج محمود سليمان بفيلمه التسجيلي «أبداً لم نكن أطفالاً»، المخرج شريف البنداري بفيلمه الروائي القصير «حار جاف صيفاً»، المخرج شادي الهمص بفيلمه الروائي القصير «فيروز» والمخرجة منة إكرام بالفيلم القصير «العجلة»!

ستة أفلام ما بين روائية وتسجيلية وقصيرة آثر أصحابها ومنتجوها أن تكون عروضها العالمية الأولى في الدورة الثانية عشرة (9-16 ديسمبر 2015) من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» فيما واجهت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (11-20 نوفمبر 2015) أزمات عنيفة طوال رحلة البحث عن الفيلم الروائي الطويل الذي يصلح لتمثيل مصر في المسابقة الرسمية. وبعد أن استقر الرأي على اختيار فيلمي «من ضهر راجل» و{الليلة الكبيرة» بدأ الهجوم الشرس، الذي انهالت اللعنات خلاله على الإدارة التي لا تُجيد الاختيار، ولا تُحسن التقدير، ولم ينطق أحد كلمة واحدة عن الأسباب التي دفعت أصحاب الأفلام الجاهزة للامتناع عن الدفع بأفلامهم إلى الإدارة، التي تعرضت للكثير من أنواع التسويف والمماطلات، ولم يكن بوسعها سوى أن تلجأ إلى المحايلات والاسترضاءات، ولم تجن في النهاية سوى الفتات!

كيف يمكن إعادة المنتج «المصري» إلى مهرجان القاهرة السينمائي؟

كلنا يعلم أن زمن إصدار القرارات «الفوقية» قد ولى، ولم تعد الدولة قادرة على أن تفرض أي شكل من أشكال الولاية أو الوصاية على أي منتج، وهو ما رأيناه بوضوح في انسحاب أصحاب ومديري صالات العرض السينمائي من المهرجان، ورفضهم استقبال أفلامه في صالاتهم، وهو أمر لم يكن يحدث في ظل سياسة «الاقتصاد المغلق»، فالدولة كانت تُشارك بدور العرض التي تملكها وتديرها أو تُصدر القرارات الوزارية التي تُجبر أصحاب الصالات الخاصة على المشاركة في «مهرجان الدولة»!

هل يكمن الحل في تعديل لائحة مسابقة الدعم، الذي ترصد له الدولة، ممثلة في وزارة المالية، ميزانية تصل إلى عشرين مليون جنيه، بحيث تُضيف شرطاً إلى الائحة يُلزم كل من يحصل على الدعم بأن يكون العرض الأول لفيلمه، عالمياً وإقليمياً، في مهرجان القاهرة السينمائي، أسوة بما يحدث في  الأفلام العربية الحاصلة على دعم من صندوقي «إنجاز» و{سند»؟

يرفض البعض الفكرة، ويراها عودة إلى العصر «الشمولي»، الذي ينزع عن المبدعين، والناس بكل طوائفهم، حرياتهم في اتخاذ القرار الذي يلبي مصالحهم، وتيار ينادي بسرعة العمل بها، بوصفها الحل الناجع لمشكلة هروب الفيلم المصري من «القاهرة»!