معارك هيكل بين الصحافة والسياسة (4 من 10) اللقاء الغامض بين هيكل ورجال عبدالناصر

نشر في 11-11-2015
آخر تحديث 11-11-2015 | 00:01
مساعدو ناصر فكروا في الاستقالة وجثمانه مازال في قصر القبة

دخل محمد حسنين هيكل التاريخ باعتباره الرجل الذي يقف بجوار الزعيم دوماً، بين من يصفه بعقل النظام، ومن يعتبره قلمه الذي يعبر عنه، لكنه تموضع في مجرى التاريخ وحاول تغيير مساره بعد وفاة عبدالناصر، عندما بدأت صراعات الظل بين رجال الزعيم، هنا انحاز هيكل مبكرا لمصلحة أنور السادات وساهم بلا شك في جلوس الأخير على كرسي عبدالناصر، لكن هذا لم يمر إلا بعد صراع فخرج هيكل مزهوا بانتصاره، لكنه لم يكن يقدر تبعات هذا الانتصار.
ليس كل ما يقوله محمد حسنين هيكل صحيحا، وليس كل ما يذكره من وقائع حقيقية، فهو مثل كل كاتب له انحيازاته التي تغلف كتاباته، ومثل كل إنسان له إيجابياته، كما أن له سقطاته.

وليس معنى هذا أن نكذب كل ما قاله هيكل، فالتكذيب على إطلاقه كما التصديق على كل ما يقول كلاهما أمر مستهجن ولا يليق بعاقل، وقد انقسم الناس حول ما يقول هيكل، كما هي عادة البشرية منذ بدء الخليقة، "ولا يزالون مختلفين".

وهيكل نفسه هو أول من يعرف نفاذ هذا القانون على كل كلام، أياً كان مصدر الكلام، ولهذا لجأ في كثير من الأحيان إلى "التوثيق"، وهو لا شك بارع في هذا الجانب، وقد تحصّل عبر ظروف كثيرة ومعقدة على كثير من "الوثائق"، وقدم في سلسلة كتبه الأفضل ضمن إنتاجه سلسلة "حرب الثلاثين عاما" الكثير والكثير من الوثائق التي حصل عليها بحكم قربه من السلطة في زمن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أو تلك التي تحصل عليها في بداية علاقته المميزة بالرئيس الراحل أنور السادات، إضافة إلى عدد كبير من الوثائق التي تحصل عليها من مصادر أجنبية بحكم قوانين حرية تداول المعلومات في أكثر من دولة غربية.

وأكثر المناطق التاريخية التي قدم فيها هيكل آراءه وبدت فيها انحيازاته، وتبدت فيها مخاوفه تلك التي تحدث فيها عن دوره، ومشاركته في ما حدث عند ذروة التصادم الذي جرى حول السلطة في 15 مايو سنة 1971، وهو وفق توصيفه لما جرى في ذلك التاريخ طرف منحاز، حكمته تجربته، وتحكمت فيه نوازعه، واستحكمت لديه مخاوفه في تلك اللحظة الفاصلة في التاريخ.

وهو يروي فصول ذلك التصادم عند القمة محكوم بموقفه فيه، وبموقعه من أطرافه، وقد راح بحشد كل إمكاناته لكي يبرر هذا "الموقف" المنحاز إلى أنور السادات ضد من أطلق عليهم "مراكز القوى"، خاصة بعدما أخرجه السادات من موقعة الأثير في مؤسسة "الأهرام" العريقة.

وهو في تبريره لموقفه كانت له آراء، وكانت له رواية للوقائع، الآراء لا نملك حجراً عليها، فلكل رأيه وهو حر فيه، أما الوقائع فلابد أن تكون لنا معه "وقفة" نضع فيها "روايته" ضمن روايات الآخرين، ونعمل فيها العقل لنحصل في النهاية على "الحقيقة"، أو نحصل على أفضل تصور لما يمكن أن تكون عليه حقائق الأمور.

من ضمن تلك الوقائع، قصة اللقاء الذي جرى بين هيكل ورجال دولة عبدالناصر فور رحيله عن الدنيا، شعراوي جمعة وسامي شرف وأمين هويدي، ورواه هيكل بطريقته الموحية، والتي تزري بأطراف اللقاء، ورواه أمين هويدي بطريقته، ولكل منهما أغراض وأهداف.

ولكن تعالوا نرجع إلى الوراء قليلا..

***

رحل جمال عبدالناصر فجأة، وبدا رحيله كأنه انفجار دوى في قاعة مغلقة، فصدم كل من فيها، وكان أول ما فكروا فيه – جميعا – هو كيفية الخروج من هنا، أصابهم دوار الانفجار المباغت، وجاءتهم المفاجأة على غير انتظار أو توقع، كانت كل الأمور، وكل المواقع، وكل درجات النفوذ، مرتبة جميعها على وجود الرجل الكبير، وفجأة اختلطت الأمور، واهتزت المواقع، ووضعت درجات النفوذ أمام الامتحان الصعب.

وبفعل الانفجار ومن جراء الدوار، ووسط اختلاط الأمور، واهتزاز المواقع وخشية الامتحان المقبل كانت فكرة "الاستقالة" هي أول ما تبادر إلى ذهن عديد من أطراف قمة السلطة، كان حديث "الاستقالات" هو عنوان التفكير - ربما الغريزي - في تلك الساعات الحاسمة في تركيبة السلطة الحاكمة.

وبينما كان جثمان عبدالناصر مسجى داخل ثلاجة بقصر القبة، كان علي صبري نائبه ورئيس وزرائه ومدير مكتبه فترة طويلة يفكر في الاستقالة والاعتزال، وفي الوقت نفسه، ومن دون ترتيب مسبق، كان ثلاثة من أهم أطراف القمة يراودهم التفكير نفسه، كان شعراوي جمعة وزير الداخلية، ومعه سامي شرف وزير شؤون رئاسة الجمهورية، وأمين هويدي وزير الدولة تسيطر عليهم فكرة "الاستقالة"، ليتركوا للقادم الجديد، أياً كان، حرية اختيار رجاله، كل واحد فيهم لم يكن ليرضى لنفسه أن يقال عنه: إنه رجل كل العصور.

كانت مشاعر الفقد تحركهم، وكان غموض اللحظات المقبلة يثير داخلهم الشكوك، فكروا معا وسط مشاعر اليتم أن يرحلوا عن السلطة، بعد أن رحل قائدهم وزعيمهم، ثم فكروا بصوت مسموع أمام محمد حسنين هيكل في أمر الاستقالة.

كانت الساحة قد خلت من اللاعب الكبير، ضابط الإيقاع، مصدر القرار، الزعيم والقائد، وبدأ اللاعبون الصغار يجرب كل منهم حظه وما تعلمه من "الرجل الكبير"، وكان لسان حال الكثيرين يقول كما ذكر لي سامي شرف "هل من المناسب لنا نحن رجال عبدالناصر أن نعمل مع رئيس غيره كائنا من كان هذا الرئيس؟"، ولذلك كثر المفكرون في الاستقالة، وقصة التفكير في الاستقالة ذكرها هيكل بطريقته ورد عليها هويدي بطريقته أيضا.

والتفاصيل تبدأ بعد انتهاء اجتماع لمجلس الدفاع الوطني دعا إليه السادات بصفته الرئيس المؤقت للبلاد لمناقشة العمل إزاء حلول موعد وقف إطلاق النار في نوفمبر الذي كانت مصر قد وافقت عليه بعد قبولها لمبادرة وليام روجرز وزير خارجية الولايات المتحدة، وكان الاجتماع مساء يوم 30 سبتمبر 1970.

يقول هيكل: في أثناء خروجنا من الاجتماع اقترب مني شعراوي جمعة وقال: "أظن أننا يجب أن نذهب إلى مكان نجلس فيه ونتحدث أنت وأنا وسامي وأمين هويدي.. قلت: لا بأس.. وركبنا نحن الأربعة السيارة الرسمية لوزارة الداخلية المخصصة له، وجلس هو في المقعد الأمامي، بينما جلسنا نحن في المقعد الخلفي وتبعتني سيارتي.

كان شعراوي وسامي وهويدي اتفقوا على أن يقضوا الليل في مبنى هيئة قناة السويس في جاردن سيتي، ومن هناك يستطيعون بسهولة أن يصلوا إلى مبنى مجلس الثورة في الجزيرة، حيث يبدأ في تشييع الجنازة، أما أنا فكنت سأقضي الليل في منزلي على النيل مباشرة، وهكذا فإننا كلنا كنا متجهين الوجهة نفسها.

لكن عندما وصلنا إلى العباسية (على بعد 4 أميال من وسط المدينة) كان الميدان أصبح مغلقا تماما، وطلب شعراوي إلى السائق أن يتجه شمالا، وأن يحاول السير في الطريق الخلفي الذي يمر بالقلعة، وعندما اقتربنا من أمام "كلية البوليس" أوقف السيارة، والتفت ناحيتنا وقال: " أولئك الثلاثة أنور السادات وحسين الشافعي وعلي صبري ينزلون في قصر القبة، ويتصرفون كأنهم حكومة ثلاثية (يقول هيكل: استخدم شعراوي جمعة لفظة ترويكا، وهي عربة روسية خفيفة تجرها ثلاثة جياد، وقد استخدم مصطلح الترويكا، بعد خلع الرئيس خورتشوف حيث تولى إدارة البلاد ثلاثي مكون من ليونيد بريجينيف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفياتي، ونيكولاي بودجورني رئيس الدولة، وأليكسي كوسيجن رئيس الوزارء).. بينما نحن الناصريون الحقيقيون، وأقرب الناس إلى عبدالناصر لم نفعل شيئا للتنسيق في ما بيننا، أو الاتفاق على أسلوب مشترك للعمل، وهذا ما يجعلني أرى ضرورة البحث في الموقف بعضنا مع بعض.. فقلت له: لنكن واضحين بشأن موقف كل منا، هناك نقطة نظام أضعها ونصيحة صغيرة أقدمها: "أما نقطة النظام فهي أنكم إذا كنتم تريدون التنسيق في ما بينكم بصفتكم وزراء فلا تفعلوا ذلك بحضوري، لأني قد استقر برأيي على الخروج وترك الوزارة".

أثار قولي غضبا شديدا لدى سامي شرف وقال: لا.. إما أن نخرج كلنا أو نبقى كلنا.. فقلت: إني لم أكن أبدا جزءا من السلطة كما هي الحال بالنسبة إليكم، كنت دائما صحافيا ولم أقبل منصب وزير الإرشاد إلا تحت ضغط شديد من جانب عبدالناصر، وتعهدت بقبوله مدة سنة فقط، وقد انقضت الآن ستة أشهر وانتقل عبدالناصر إلى رحاب الله، وهكذا فقد قررت أن أتحلل من وعدي.

واعترض سامي بأني إذا فعلت ذلك فسأبدو كأني غير مستعد للعمل تحت رئاسة أي شخص آخر غير عبدالناصر، في حين أنهم سيظهرون في مظهر المستعد لخدمة أي شخص، وقلت لسامي: إنه يبالغ، وإني اتخذت قراري بالخروج من الوزارة، وسأتمسك به، ولذا فإني لا أوافق على أن يتم أي تنسيق بين الوزراء في حضوري.

تلك كانت نقطة النظام، أما نصيحتي الصغيرة فهي أن من الخطأ بالنسبة لهم أن يحاولوا العمل معا كناصريين: إن فعلتم ذلك فإنكم ولا شك ستثيرون ردود فعل تؤدي في النهاية إلى صراع على السلطة، وإذا حدث تصادم في الآراء فإني سأؤدي دوري فيه كصحافي، أما إذا نشب صراع على السلطة قائم على الأشخاص فلن يكون لي شأن به، وستعاني البلاد كلها منه.

وازداد سامي انفعالا وراح يصيح: عبدالناصر لم يمت.. فقلت له: اسمع، لابد أن تواجه حقائق الطبيعة، إن الرجل مات، وسيحكم على كل منكم فقط من الآن فصاعد بما يمكن أن يقدمه من أجل مصلحة البلد، إنها صفحة جديدة فتحت أمامكم جميعا، وبدأ سامي يبكي ويصرخ بأننا إما أن نبقى كلنا أو نخرج كلنا. وعندئذ فقدت أعصابي ونزلت من السيارة واتجهت إلى سيارتي، وكانت تقف وراء سيارة شعراوي مباشرة، وعدت إلى القاهرة.

هذه رواية "هيكل" عن هذا اللقاء.. في كتابه (الطريق إلى رمضان- دار النهار – بيروت-1975- ص 102/ 103).

***

لكن أمين هويدي له تعليق على رواية هيكل، جاء في كتابه: (مع عبد الناصر- أمين هويدي – دار الوحدة- بيروت – 1984- من 193 إلى 201)، وهو يؤكد في البداية:

 لم يمسني هيكل في حديثه من قريب أو بعيد، ولم يمسني الرجل في أحاديثه التلفزيونية التي أجراها عقب أحداث مايو 1971، ولا مسني في مقالاته التي نشرها في "الأهرام" وهو رئيس تحرير له.. وكان من الحكمة ـ والحالة هكذا ـ أن أقفز فوق ما قيل وأعبره كما يفعل الكثيرون، ولكني بذلك أكون كاتماً للشهادة، الأمر الذي نهانا عنه الله تعالى في كتابه العزيز، ثم لا أظنني أضير أحدا – حتى هيكل – بقولي ما حدث من دون تحريف.

ويعود أمين هويدي ليؤكد أنه لم يكن ينتسب إلى "جماعة" أو "شلة" حتى من أيام عبدالناصر.. ثم يبدأ في التعليق، فيسجل أن اللقاء لم يتم ـ كما قال هيكل ـ أمام "كلية الشرطة"، وبعد انتهاء الاجتماع الذي تم في مكتب وزير الحربية في "كوبري القبة"، ولكن بداية اللقاءات تمت في "قصر القبة"، فقد ذهبت أنا وشعراوي وسامي إلى القصر لنرى سير الأمور في زيارة خاطفة، وتركنا سامي في الشرفة الخارجية لفترة طويلة، عاد بعدها فجأة ومعه هيكل، ولم أكن أعلم بوجوده في القصر، ولم أكن أعلم أن اتفاقا تم بين ثلاثتهم على اللقاء، وبذلك كنت الوحيد الذي يجهل أن اللقاء سوف يتم.

لم يتم الاجتماع بطريقة مفاجئة ـ كما يقول هيكل ـ ولكن باتفاق مسبق، فإنه من الجائز أن يكون قد اندفع بغريزته الصحافية لمثل هذا اللقاء حتى يتحسس الأوضاع بنفسه، ربما لنفسه، وربما لغيره، وربما للغرضين معاً، وليس في هذا عيب، فمن الحكمة أن يعرف كل فرد أين يضع قدمه، وعلى ما أذكر فإن الاجتماع تم في مدخل "مدينة نصر"، وليس أمام "كلية الشرطة"، بالرغم من أن هذا لا يغير قليلا أو كثيراً في الموضوع.

لم يلق هيكل أبدا بكل هذه النصيحة عن الناصرية والسلطة والصراع، ولم يتحدث شعراوي جمعة أبدا عن السادة: السادات والشافعي وعلي صبري، كما لم يتحدث عن "الترويكا" الروسية، ولم يصرخ سامي أو يبك، ولا هو أنكر وفاة عبدالناصر، أبدا،  لم يحدث شيء من هذا كما صوره هيكل في أسلوب غلبت عليه "الإثارة الصحافية" التي تبعث على التشويق، ولكن كل ما ذكره شعراوي لهيكل هو أننا قررنا التخلي عقب تشييع الجنازة، وبعد انتقال السلطة بالطريقة الدستورية، وسأله عن رأيه في ذلك.

رحب هيكل أيما ترحيب بالفكرة، وذكر أيضا أنه سيترك المنصب الوزاري ليتفرغ لرئاسة تحرير "الأهرام"، حيث كان الرجل يجمع بين المنصبين، مضيفا أنه لكل زمن رجاله، وعلى الجميع أن يعيدوا النظر في أفكارهم، وسوف تتعدد اللقاءات في الأيام المقبلة، وسلم الرجل واتجه إلى عربته، دون أن يفقد أعصابه، ودون أن يغضب، واتجه إلى منزله، واتجهنا نحن إلى مكتب سامي شرف.. وهناك انفجرت في الرجلين لتوريطي في اجتماع لم أخطر به، وتساءلت عن سبب أخذ رأي هيكل في موضوع يتعلق برغبة كل واحد منا وبإرادته، ثم لم يكن الموضوع في حاجة إلى مناقشته في "مدينة نصر"،  وكان الأفضل مناقشته في "قصر القبة"، حيث كنا أو في مكتب أي فرد فينا، كنا قد اجتمعنا مراراً وهذا أمر عادي، وقررنا أن نتخلى عقب نقل السلطة بالطريقة الدستورية، لنفسح المجال للسيد أنور السادات ليختار معاونيه، ولو أنني كنت مزمعا على أن أتخلى في أقرب وقت ممكن، ورأى شعراوي أن يستشير هيكل في الأمر، لأن من عادته أنه كان يستشير هيكل وسامي في كل أمر يقدم عليه.

وكما نرى فإن الموضوع الذي تم بسيط للغاية، ولكنه حكي بطريقة تلقي الظلال على النوايا، ولا شك في أن هذه الظلال كانت بالضرورة تترك آثاراً في النفوس تتعمق بمرور الأيام، وحتى لا ننسى كانت جثة عبدالناصر مازالت موجودة في "قصر القبة" لم يتم تشييعها بعد إلى مثواها الأخير.

***

والحق أن أي تقييم موضوعي للروايتين، رواية هيكل ورواية هويدي يجعلنا نميل أكثر إلى تصديق رواية هويدي للأسباب التي ذكرها، وهي للحق مقنعة.

إلى أسباب هويدي هناك أسباب أخرى:

- أن هيكل، المنغمس في الصراع الذي دار حول قمة السلطة قبل رحيل جمال عبدالناصر ومن بعد رحيله، له مصلحة مؤكدة في تأكيد صحة المواقف التي اتخذها خلال مراحل هذا الصراع.

- أن هيكل الذي غض الطرف عن السبب الحقيقي للقاء- أو على الأقل السبب المعلن- أراد أن يثير الشكوك حول نوايا كل من شعراوي جمعة وسامي شرف اللذين أرادا حسب روايته تشكيل تحالف الناصريين الحقيقيين في مواجهة الآخرين الذين يتصورون أنفسهم خلفاء جمال عبدالناصر.

- أن هيكل أراد القول إن نية التخطيط والتحرك كجماعة هي نية مبيتة من قبل كل من شعراوي جمعة وسامي شرف منذ اللحظات الأولى لرحيل عبدالناصر، وهو قول لا يراعي حجم مأساة الرحيل الفجائي على الجميع، خاصة أن جثمان الرجل لم يكن قد غادر قصر الرئاسة بعد!

- والأسوأ أن هيكل نسب لنفسه الكلام الذي ذكره الآخرون، ولم يذكر الكلام الذي قاله فعلا، حيث أبلغوه اتجاه نيتهم إلى تقديم استقالاتهم إلى القادم الجديد، وأيدهم هو في ما اتجهت إليه نواياهم، وأعلن أنه بدوره سيقدم استقالته من وزارة الإعلام ليتفرغ لرئاسة "الأهرام".

ونخلص إلى أن الحديث في هذا اللقاء جرى من جميع أطرافه على وتيرة واحدة، هي وتيرة تقديم الاستقالة إلى الرئيس الجديد الذي سيخلف عبدالناصر.. والغريب الذي يجب أن نلاحظه في الروايتين أن أحدا من الحاضرين لم يذكر ولو كلمة واحدة عن هذا القادم الجديد، وأنه لم يكن موضوعاً للنقاش في ما بينهم، وهذا سبب آخر يجعلنا نميل أكثر إلى رواية هويدي، وأن نغفل الاحتكام إلى رواية هيكل إلا إذا كان الغرض هو التعرف على دور هيكل في الأحداث في ما بعد رحيل عبدالناصر.

كانت المناورات قد بدأت من الجميع لجس النبض، ورغم ترحيب هيكل بفكرة أن يستقيل شعراوي جمعة وسامي شرف، فإن أحداً منهما لم يتقدم باستقالته، ولكن الاستقالات توالت واحدة تلو الأخرى من الآخرين،  وكان أولها استقالة هيكل نفسه.

أمين هويدي ينتقد هيكل

أراد أمين هويدي أن يقول الكثير من وراء وقفته مع رواية هيكل لحدث حضره بنفسه وكان من بين ما أراد أن يقول:

1 - إن هيكل أراد- لسبب ما- أن يلقي على اللقاء المذكور ظلالا من الشك.

2 - إن هيكل تعمد أن يضفي على روايته للواقعة بعض "الفلفل الحار"، لزوم التشويق الصحافي.

3 - إن هيكل اختلق وقائع لم تحدث مثل بكاء سامي، وكلام شعراوي عن "الترويكا" المصرية الممثلة في السادات والشافعي وعلي صبري، ومثل كلام هيكل عن الصراع على السلطة والنصائح التي قدمها للمجتمعين خلسة من وراء الآخرين.

4 - إن هيكل لم يذكر النقطة الأهم التي كانت موضوع اللقاء وهدفه، وهي اتفاق شعراوي وسامي شرف وأمين هويدي على الاستقالة عقب الانتهاء من إجراءات الجنازة.

back to top