إن كان الغرب يحتاج إلى أدلة إضافية على أن الصفقة الإيرانية التي وقعتها الشهر الماضي مجموعة دول (1+5) مع إيران سيئة، فقد حصل على فيض منها أخيراً. أولاً، أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطاب ألقاه في الجامعة الأميركية في واشنطن بأن مليارات الدولارات التي ستتلقاها إيران قد تُستخدم مع تخفيف العقوبات لدعم الإرهاب، وأضاف: "لسنا واهمين بشأن الحكومة الإيرانية أو أهمية حرس الثورة أو فيلق القدس، فإيران تدعم المنظمات الإرهابية، مثل حزب الله، كذلك تدعم مجموعات تابعة لها تهدد مصالحنا ومصالح حلفائنا، بما فيها المجموعات التي قتلت جنودنا في العراق".
قبل يوم من تصريحات أوباما هذه أدلت المفاوضة الأميركية البارزة ويندي شيرمان بشهادة مقلقة أمام لجنة المصارف في مجلس الشيوخ، متناولة ما دُعي "الصفقات الجانبية" التي عقدتها إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عمليات التفتيش النووية، والتي لن تخضع لموافقة الولايات المتحدة، وعندما سئلت عما إذا كانت قد اطلعت على الوثائق النهائية أفادت: "لم أطلع على الوثائق النهائية. حصلت على الوثائق المؤقتة، شأني في ذلك شأن خبرائي". لكن شيرمان بدّلت بعد ذلك روايتها للأحداث على ما يبدو ذاكرة: "اطلعت على وثائق أعتقد أنها الوثائق النهائية". وعندما سئلت شيرمان لاحقاً عما إذا اطلعت على النسخة النهائية من الصفقات، أجابت: "نعم".تُبرز تصريحات شيرمان المتضاربة الاختلاف بين "الوثائق" والصفقات بحد ذاتها، فأصرت شيرمان على أن من غير الممكن تقديم الاتفاقات إلى الكونغرس ليس لأنها لا تزال سرية فحسب، بل لأن الولايات المتحدة لا تملكها أيضاً. ذكرت شيرمان: "ندرك جيداً أن قانون كوركر-كاردين [بشأن المراجعة النووية الإيرانية] الذي سنه مجلسا الشيوخ والنواب يفرض علينا أن نقدم لكم كل مستند نملكه، وقد قدمنا لكم بالفعل كل مستند نملكه".من الطبيعي أن يشعر المشرعون المكلفون بالتصديق على الاتفاق بالقلق أو حتى بالغضب في وضع مماثل، فعقب مثول شيرمان أمام اللجنة، نقل ممثل لويزيانا في الكونغرس ستيف سكاليز هذا الجدال إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مغرداً: "سيدي الرئيس، من حق الأميركيين الاطلاع على تفاصيل الصفقات الجانبية السرية"، فردّ الرئيس: "تفصيل مهم: ما من صفقات سرية، ويستطيع فريق عملي إجابتك عن أي سؤال بشأن أي جزء من الصفقة"، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد.ما من شك في أن الصفقة النووية بين مجموعة دول (1+5) وإيران تشكل، بالنسبة إلى إدارة أوباما والرئيس شخصياً، مشروع إرث بالغ الأهمية؛ لذلك سعى أوباما إلى الدفاع بشراسة عن هذا الاتفاق، مدعياً أن الولايات المتحدة ستخسر ماء الوجه دولياً إن رفض الكونغرس الاتفاق، وأن الحرب هي البديل الوحيد، ومن المؤسف أن هذا الاتفاق يبدو أكثر ريبة مما ظننا سابقاً، كما كشفت أحداث الأيام الأخيرة، وبدل السماح للكبرياء بأن يشوش على حكم الكونغرس يجب أن يحرص الرئيس على عرض كل الوقائع والوثائق على الطاولة، وإن لم تتلاءم مع مصالح الغرب الأمنية، فإن الأطراف المعنية تستطيع العودة إلى طاولة المفاوضات.
مقالات
الصفقة الإيرانية تزداد سوءاً كل أسبوع
18-08-2015