ربيع عربي «بسعر السوق»!

نشر في 19-09-2015
آخر تحديث 19-09-2015 | 00:01
 يوسف عوض العازمي عندما يشتعل اليأس في داخل النفس وتتكون سحب اللامبالاة، وتستجيب الروح لداعي الرحيل، وتستكين الطموحات لواقع الوقوف الجبري فقد يكون في ذلك خير واستكمال لشعور الراحة، ففي الحياة مواقف تؤثر على وتيرة السير على نهج الاستمرار بنفس المعزوفة اللفظية للمفردات والترنيمة الحرفية لواقع العبارة المكتوبة، بما تحمل من كلمات متناسقة تستحل الناتج المثخن بجراح الواقع المرير.

وفي الحياة محطات مملوءة بالغبطة، تجد في إحداها اثنين يرتشفان «استكانة شاي» على طاولة في مقهى عتيق، ويتحدثان بكل لغات المآسي في العالم، أحدهما يحمل مؤهلاً رفيعاً في أعمال «الطرطشة»!، والآخر أحد المعتمدين لنقل النفايات بحسب سعر السوق!

وعندما تكمل السير تتوقف أمام جدال عقيم بين ما يطلبه المشاهدون، وبين أحد البسطاء ممن يمثل حياة الشعوب! ولا نتيجة ولا حل ولا تقدم ولا تأخر «مكانك راوح» كما يصرخ أهل العسكرية!

والواقع العربي يخضع لعمليات تجميلية ظهرت أغلب نتائجها وعلقت على الجدران، وجاءت النتائج مؤسفة «لم ينجح أحد»، و«ياليتك يابوزيد ما غزيت» أو «ما كنا كويسين»!

كان المراد إزالة مجنون فظهر مكانه ألف مجنون، ومن ثم تتابعت قصص الشتاء القارس بمعطيات مبهمة تنشر أخبار الحريات ومحاربة التهميش، وفي الصفحة المقابلة تخط أقلام المطابع هتافات الأوروبيين بالترحيب باللاجئين، ودعوات البابا راعي الكنيسة بفتح البيوت والكنائس لاستقبال ضحايا الحرية! وأصبحت الفصول التالية من الرواية هي مقاومة التنصير، أي أننا خرجنا من حفرة إلى «دحديره»، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

العجيب أن جامعاتنا الأكاديمية ومراكزنا العلمية تدرس علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات، ونمتلك عقولاً ضخمة، لكنها لا تشغل محركاتها إلا خارج الحدود! لأنه مطلوب عدم حل المسائل المعقدة، لأن في ذلك توقفاً لمسيرة التنمية والاستقرار والأمان، وقد يسرف القائمون على حلول الفيزياء وبعدها تتبدد فضائل الاستقرار، ويضطر المضطرون إلى التعاقد بعدها مع سماسرة التهريب واللجوء إلى خارج الوطن للنجاة من صخب العيش بين معامل الكيمياء المشتعلة بكل معادلات التركيبات، وبين مناوئي حل معادلات الرياضيات الصعبة، إلى أن وصل المجال إلى قطارات بودابست والترغيب الألماني والترهيب الهنغاري!

لو أمعن المتابع لتيقن أن ما يحدث حاليا من وقائع هو في الواقع دروس مؤلمة ومعضلة تتقد بها نار البقاء واستجلاب عروض النجاة المغرية على متن مراكب الموت، وبدعاية ضخمة يدفع أتعابها الممولون من ريع الحدود التركية واللبنانية وصولاً إلى اليونان!

أحياناً، لا يعالج الدم إلا بالدم، والآن وبعد ضخ أطنان من الدم في الشام دخلت دبابات الأمر الواقع الروسية، وكأنه لم يبق على إسدال الستار إلا عدة صفحات!

لكن التاريخ محرج لروسيا، وأفغانستان ما تزال ذكراها ماثلة، وتحركات المصالح إن لم تتكئ على حلول منتجة فستقع في وحل الدماء المثخنة لأن رواية الدماء لاتزال نافورتها شغالة، وبالتالي فأطراف النزاع تتعامل على قاعدة «أنا الغريق فما خوفي من البلل»!

فلاديمير بوتين يعمل استعراضاً للقوة في بلاد الشام هو في واقع الحقيقة رساله «لك يا جارة» عن أحوال أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ومن له حيلة فليحتلْ و»خذ من حلالك ما يسد حالك»!

في النهاية، أي استمرار لأي عملية عسكرية لن يكون الرابح بها سوى تاجر السلاح، والرابح بها خاسر، لذلك من الحكمة حسم الأمور جنوباً بأسرع ما يمكن، فالمعطيات موجودة، والرجال تضحي والأموال تصرف، ولم يبق سوى التشديد على عامل الوقت.

لا عاقل يحب مسائل الرياضيات الحربية المكتوبة بدماء الأبرياء إلا تاجر السلاح والمهيمن على إرادة الميليشيات، وقراراتها وقائد حروب الوكالة فهو لا يخسر شيئاً من جيبه ومصروفه، ويأخذ من أموال الشمال لتمويل جماعة الجنوب، ومتى ما أصبح هو في مرمى النيران فسيبدأ وقتها في الحديث عن حلول ناجعة ومرتبة وأنيقة وفارهة لما تبقى من «حضرة الربيع العربي»!

back to top