قبل أن تبدأ حملة الانتخابات العامة في كندا منذ أحد عشر أسبوعاً، توقع المحللون أن الحزب الليبرالي الوسطي في البلد، الذي حكم طوال الجزء الأكبر من القرن الماضي، قد يفقد شعبيته قريباً، وأمل ستيفن هاربر، رئيس الوزراء المحافظ، أن يُنتخب لولاية رابعة، أما منافسه الأول فكان على ما يبدو توماس مولكير، زعيم الحزب الديمقراطي الجديد اليساري الميول الذي حل محل الليبراليين في الاضطلاع بدور المعارضة الرئيسة، إلا أنه لم يحكم البلد من قبل، فأمضى هاربر الجزء الأكبر من حملته في انتقاد زعيم الليبراليين جاستن ترودو الذي يفتقر إلى الخبرة، فهو ابن رئيس وزراء سابق، معتبراً إياه "غير جاهز" لحكم البلد.

Ad

ولكن في التاسع عشر من أكتوبر، خيب الناخبون أمل رئيس الوزراء وأظهروا خطأ المحللين الذين توقعوا تراجع الليبراليين، فقد فاز حزب ترودو بغالبية 338 مقعداً في مجلس العموم، ويمكنه أن يحكم من دون دعم الحزب الديمقراطي الجديد، الذي حقق نتائج أدنى بكثير، محتلاً المرتبة الثالثة، كذلك استقال هاربر من رئاسة الحزب المحافظ.

وشكلت الانتخابات منذ البداية استفتاء بشأن فترة حكم هاربر الكثيرة الاضطرابات التي دامت عشر سنوات، فبما أن كندا مصدر صافٍ للطاقة، فقد تضررت بسبب تراجع أسعار النفط، ونتيجة لذلك تقلص اقتصادها خلال النصف الأول من عام 2015، مما قوّض ادعاء هاربر أن من الممكن الوثوق بالمحافظين وحدهم لحكم البلد، وهكذا أراد أكثر من ثلثي الناخبين أن يترك منصبه، ولكن لم يتضح ما إذا كانوا سيتكتلون حول أي من منافسيه الرئيسين.

لكنهم احتشدوا في النهاية وراء ترودو بفضل حملته البارعة وأخطاء الحزب الديمقراطي الجديد، فقد انضم مولكير، الذي خشي أن يُعتبر الحزب الديمقراطي الجديد حزباً اشتراكياً يعتمد على جمع الضرائب والإنفاق، إلى المحافظين في إطلاق الوعود بشأن موازنة متوازنة، وهكذا تسنت لترودو فرصة إظهار الليبراليين بطابع مختلف، فقد وعد بتقبل العجز لبعض الوقت بغية تأمين الستين مليار دولار كندي (46 مليار دولار أميركي) الضرورية لبرنامج بنى تحتية مدته عشر سنوات، فلاءم هذا تطلعات حملة الليبراليين المشرقة، فقرر الناخبون أن ترودو هو النقيض المناسب لهاربر.

لكن التأقلم مع مشاكل كندا الكثيرة يحتاج إلى ما يفوق الموقف الإيجابي، فقد كشفت نهاية طفرة السلع، التي حمت كندا من أسوأ تأثيرات الأزمة المالية العالمية، سأماً اقتصادياً، فالناتج القومي الإجمالي والإنتاجية ينموان بوتيرة بطيئة، فضلاً عن أن الشركات تفتقر إلى الإبداع والتجديد والبنية التحتية ترزج تحت عبء كبير، علاوة على ذلك تُعتبر ديون المستهلك وأسعار المنازل، خصوصاً في تورنتو وفانكوفر، مرتفعة على نحو مخيف، أما الاستثمارات التجارية والصادرات فلم تنجح في تحفيز النمو الاقتصادي لدعم المستهلكين الذين يعانون ديوناً كبيرة. صحيح أن خطة ترودو لتخصيص المال للبنية التحتية تشكل بداية مهمة، إلا أنها ليست كافية بالتأكيد.

قد يشكل التخلي عن سياسة هاربر المحافظة جداً تبدلاً مفاجئاً وقوياً، إذ يخطط رئيس الوزراء الجديد لمنح الطبقة الوسطى القليل من المساعدة بخفض ضريبة الدخل (علماً أن هاربر كان سيُقدم على هذه الخطوة أيضاً)، رافعاً في الوقت عينه معدل الضريبة على مَن يتخطى دخلهم الـ200 ألف دولار كندي (خطوة ما كان ليقدم عليها المحافظون بالتأكيد). كذلك وعد ترودو بأن يسهّل ويسرّع تقديم طلب تأمين البطالة، بالإضافة إلى ذلك كان هاربر متردداً في اتخاذ أي إجراءات بشأن التغيرات المناخية، لكن رئيس الوزراء الجديد يخطط للتوصل إلى اتفاق بين الولايات الكندية بشأن الأهداف الوطنية بغية خفض انبعاثات غازات الدفيئة، كذلك يريد أن يشرّع الماريغوانا وأن يستبدل نظام الاقتراع البريطاني الطراز القائم على فكرة الفوز للأكثر أصواتاً، مع أننا لا نعلم بعد ما البديل الذي يقترحه.

أما خطط ترودو بشأن السياسة الخارجية، فتشمل فصل المقاتلين الكنديين عن المهمة التي تقودها الولايات المتحدة ضد "داعش" في الشرق الأوسط، مع الحفاظ في الوقت عينه على مشاركة المدربين العسكريين، فضلاً عن استئناف العلاقات مع إيران. يعد ترودو أيضاً بالعودة إلى أسلوب جماعي في الحكم، متخلياً عن ميل هاربر إلى حصر السلطة في مكتب رئيس الوزراء.

يشكل هذا في جزء منه إقراراً مرحباً به من جهة ترودو بافتقاره إلى الخبرة الواسعة نسبياً، فلم يسبق لهذا المدرّس السابق البالغ من العمر 43 سنة أن شارك في الحكومة، فكم بالأحرى إدارة وزارة؟ ولا شك أنه سيعتمد على زملائه الذين حظوا بفرصة مماثلة، أمثال رالف غودايل، وزير مالية سابق، وستيفان ديون، وزير سابق للبيئة والشؤون بين الحكومات. إذاً، برهن ترودو أنه قادر على إعادة إحياء حزب وإدارة حملة، غير أن إدارة بلد أكثر صعوبة بكثير.