حكاية {الأعور} الذي يخيف الوالي

نشر في 12-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 12-07-2015 | 00:01
في الليلة الخامسة والعشرين، تواصل شهرزاد حكاياتها عن مصير، إخوة حلاق بغداد، وتحكي على لسانه قصة أخيه «بقبق» الذي أحب صبية وصارت تتلاعب به، وقالت له العجوز إن الصبية أرادت أن يصير أمرد بلا لحية، كي لا يبقى في وجهه شيء يريبها، إلى أن طاوع أخوه الجارية وحلق لحيته، وجاءت به إلى الصبية وإذا هو محلوق الحاجبين والشاربين واللحية محمر الوجه، ففزعت منه، ثم ضحكت حتى استلقت على قفاها وقالت: يا سيدي لقد ملكتني بهذه الأخلاق الحسنة، وقالت له العجوز: الآن بلغت مرادك، واعلم أنه ما بقي عليك من الدرب شيء، وما بقي إلا شيء واحد وذلك أن من عادتها أنها إذا سكرت يسرها أن تركض خلفها وهي تركض كأنها هاربة منك لا تزال تتبعها من مكان إلى مكان حتى تدركها.  

لما كانت الليلة الخامسة والعشرون، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن المزين قال: ثم ركضت الصبية أمام أخي فتبعها، وجعلت تدخل من محل إلى محل وتخرج من محل إلى محل آخر، وأخي وراءها كأنه مجنون، ولم تزل تركض قدامه وهو يركض وراءها حتى سمع صوتاً رقيقاً. بينما هو كذلك إذ رأى نفسه وسط زقاق في وسط الجلادين، وهم ينادون على الجلود، فرأه الناس على تلك الحالة وهو عريان محلوق اللحية والحاجبين والشاربين محمر الوجه، فصاحوا عليه وصاروا يضحكون ويقهقهون، وصار بعضهم يصفعه بالجلود وهو عريان، حتى غشى عليه وحملوه على حمار وأوصلوه إلى الوالي، فسأل: ما هذا؟ قالوا: هذا وقع لنا من بيت الوزير وهو على هذه الحالة. فضربه الوالي مئة سوط، وخرجت أنا خلفه وجئت به وأدخلته المدينة سراً، ثم رتبت له ما يقتات به، فلولا مروءتي ما كنت أحتمل مثله.

أما أخي الثالث فاسمه قفة، ساقه القضاء والقدر إلى دار كبيرة فدق الباب طمعاً أن يكلمه صاحبها فيسأله شيئاً فقال صاحب الدار: من بالباب؟ فلم يكلمه أحد، فسمعه أخي يقول بصوت عال: من هذا؟ فلم يكلمه أخي، وسمع مشيه حتى وصل إلى الباب وفتحه وقال له: ما تريد؟ فقال له أخي: أريد شيئاً لله تعالى. فقال له: أنت ضرير؟ قال أخي: نعم. فقال له: ناولني يدك. فناوله يده فأدخله الدار ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلى أعلى السطوح وأخي يظن أنه سيطعمه شيئاً أو يعطيه شيئاً. فلما انتهى إلى أعلى مكان قال لأخي: ما تريد يا ضرير؟ قال: أريد شيئاً لله تعالى. فقال له: يفتح الله عليك،.فقال أخي: يا هذا أما كنت تقول لي ذلك وأنا تحت؟ فقال له: يا أسفل السفلة لم تسألني شيئاً لله حين سمعت كلامي أول مرة وأنت تدق الباب؟ فقال أخي: وماذا تريد أن تصنع؟ فقال له: ما عندي شيء حتى أعطيك إياه. فقال له: انزل بي إلى السلالم. فقال له: الطريق بين يديك.

قام أخي واستقبل السلالم، وما زال نازلاً حتى بقي بينه وبين الباب عشرون درجة فزلقت رجله فوقع، ولم يزل واقعاً منحدراً في السلالم حتى شج رأسه، فخرج وهو لا يدري أين يذهب، فلحقه بعض رفقائه العميان فقالوا له: أي شيء حصل لك في هذا اليوم؟ فحدثهم بما وقع له ثم قال لهم: يا إخواني أريد أن آخذ شيئاً من الدراهم التي بقيت معنا، وأنفق منه على نفسي. وكان صاحب الدار يمشي خلفه ليعرف حاله، فسمع كلامه وأخي لا يدري أن الرجل يسعى خلفه، إلى أن دخل أخي مكانه ودخل الرجل خلفه، وهو لا يشعر به، وقعد أخي ينتظر رفقاءه فلما دخلوا عليه قال لهم: أغلقوا الباب وفتشوا البيت كي لا يكون أحد غريب تبعنا. لما سمع الرجل كلام أخي، قام وتعلق بمحل كان في السقف فطافوا البيت جميعه فلم يجدوا أحداً، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانب أخي وأخرجوا الدراهم التي معهم وعدوها فإذا هي عشر آلاف درهم، فتركوها في زاوية البيت وأخذ كل واحد ما يحتاج إليه ودفنوا العشرة آلاف درهم في التراب، ثم قدموا بين أيديهم شيئاً من الأكل وجلسوا يأكلون فأحس أخي بصوت غريب في جهته فقال للأصحاب: هل معنا غريب؟ ثم مد يده فتعلقت بيد الرجل صاحب الدار.

الأعور

فصاح على رفاقه وقال: هذا غريب. فوقعوا فيه ضرباً. فلما طال عليهم ذلك صاحوا: يا مسلمين! دخل علينا لص يريد أن يأخذ مالنا. فاجتمع عليهم خلق كثير فتعامى الرجل الغريب صاحب الدار الذي ادعوا عليه أنه لص وأغمض عينه وأظهر أنه أعمى مثلهم بحيث لا يشك فيه أحد وصاح: يا مسلمين! أنا بالله والسلطان، أنا بالله والوالي، أنا بالله والأمير، فإن عندي نصيحة للأمير. فلم يشعروا إلا وقد أحاط بهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخي معهم وأحضروهم بين يديه، فقال الوالي: ما خبركم؟ فقال ذلك الرجل: اسمع كلامي أيها الوالي، لا يظهر لك حقيقة حالنا إلا بالعقوبة، وإن شئت فأبدأ بعقوبتي قبل رفقائي فقال الوالي: اطرحوا هذا الرجل واضربوه بالسياط فطرحوه وضربوه، فلما أوجعه الضرب فتح إحدى عينيه، فلما زاد عليه الضرب فتح عينه الأخرى، فقال له الوالي: ما هذه الفعال يا فاجر؟ فقال، أعطني الأمان وأنا أخبرك فأعطاه الأمان، فقال: نحن أربعة نجعل أنفسنا عمياناً ونمر على الناس وندخل البيوت وننظر النساء ونحتال في فسادهن واكتساب الأموال من طرقهن، وقد حصلن من ذلك مكسباً عظيماً هو عشرة آلاف درهم، فقلت لرفقائي، أعطوني حقي ألفين وخمسمئة درهم فقاموا وضربوني وأخذوا مالي، وأنا بالله وبك وأنت أحق بحصتي من رفقائي، وأنت شئت أن تعرف صدق قولي، فاضرب كل واحد أكثر مما ضربتني فإنه يفتح عينيه. عند ذلك، أمر الوالي بعقوبتهم وأول ما بدأ بأخي. وما زالوا يضربونه حتى كاد أن يموت.

ثم قال لهم الوالي: يا فسقة، تجحدون نعمة الله وتدعون أنكم عميان؟ فقال أخي: الله الله الله، ما فينا بصير، فطرحوه إلى الضرب ثانياً، ولم يزالوا يضربونه حتى غشي عليه، فقال الوالي: دعوه حتى يفيق، وأعيد عليه الضرب ثالث مرة ثم أمر بضرب أصحابه كل واحد أكثر من ثلاثمئة عصا والبصير يقول لهم: افتحوا عيونكم وإلا جددوا عليكم الضرب. ثم قال للوالي: أبعث معي من يأتيك بالمال، فإن هؤلاء ما يفتحون أعينهم ويخافون من فضيحتهم بين الناس. فبعث الوالي معه من أتاه بالمال، فأخذه وأعطى الرجل منه ألفين وخمسمئة درهم على قدر حصته رغماً عنهم، ونفى أخي وباقي الثلاثة خارج المدينة، فخرجت أنا يا أمير المؤمنين ولحقت بأخي وسألته عن حاله فأخبرني بما ذكرته لك فأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب طول عمره.

ضحك الخليفة من حكايتي وقال: صلوه بجائزة ودعوه ينصرف فقلت له: والله ما آخذ شيئاً حتى أبين لأمير المؤمنين ما جرى لبقية إخوتي، وأوضح لك أني قليل الكلام فقال الخليفة: صدع أذاننا بخرافة خبرك، وزدنا من معجرك وبجرك، فقلت: أما أخي الرابع يا أمير المؤمنين، وهو الأعور، فإنه كان جزاراً ببغداد يبيع اللحم ويربي الخرفان، وكان الكبار وأصحاب الأموال يقصدونه ويشترون منه اللحم، فاكتسب من ذلك مالا كثيراً، واقتني الدواب والدور، ثم أقام على ذلك زمناً طويلاً، فبينما هو في دكانه يوماً من الأيام، إذ وقف عليه شيخ كبير اللحية، ودفع له دراهم وقال: أعطني بها لحماً، فأخذ منه الدراهم وأعطاه اللحم، ثم تأمل أخي في فضة بعد انصرافه فرأى بياضاً دراهم ساطعاً فعزلها وحدها ناحية، وأقام الشيخ يتردد عليه خمسة أشهر، وأخي يطرح دراهمه في صندوق وحدها، ثم أراد أن يخرجها ويشتري غنماً فلما فتح الصندوق رأى جميع ما فيه ورقاً أبيض مقصوصاً.

فلطم وصاح حتى اجتمع الناس عليه، فحدثهم بحديثه فتعجبوا منه، ثم رجع أخي إلى الدكان على عادته، فذبح كبشاً وعلقه داخل الدكان، وقطع لحماً وعلقه خارج الدكان، وصار يقول في نفسه: لعل ذلك، الشيخ يجيء فأقبض عليه فما كان إلا ساعة حتى أقبل الشيخ ومعه الفضة، فقام أخي وتعلق به، وصار يصيح: يا ناس الحقوني واسمعوا قصتي مع هذا التاجر. فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أي شيء أحب اليك: أن تعرض عن فضيحتي أو أفضحك بين الناس؟ فقال له أخي: بأي شيء تفضحني؟ قال: بأنك تبيع لحم الناس في صورة لحم الغنم، فقال له أخي: كذبت يا ملعون، فقال الشيخ: ما ملعون إلا الذي عنده  رجل معلق في الدكان، فقال له أخي: إن كان الأمر كذلك فمالي ودمي حلال لك، فقال الشيخ: يا معاشر الناس، إن هذا الجزار يذبح الآدميين ويبيع لحمهم في صورة لحم غنم، وإن أردتم أن تعلموا صدق قولي فادخلوا دكانه، فهجم الناس على دكان أخي، فرأوا ذلك الكبش وقد صار إنساناً معلقاً، فلما رأوا ذلك تعلقوا بأخي وصاحوا به: يا كافر يا فاجر.

الإسكافي

وصار أقرب الناس إليه يضربه، ولطمه الشيخ على عينه فقلعها، وحمل الناس ذلك الإنسان المذبوح إلى صاحب الشرطة، فقال له الشيخ: أيها الأمير إن هذا الرجل يذبح الناس ويبيع لحمهم على أنه لحم غنم، وقد أتيناك به فقم واقض حق الله عز وجل، فدافع أخي عن نفسه، فلم يسمع منه صاحب الشرطة. بل أمر بضربه خمسمئة عصا، وأخذوا ماله، ولولا كثرة ماله لقتلوه، ثم نفوا أخي من المدينة فخرج هائماً لا يدري أين يتوجه حتى دخل مدينة كبيرة، واستحسن أن يعمل إسكافاً فيها، ففتح دكاناً وجلس يعمل شيئاً يتقوت منه، فخرج ذات يوم في حاجة، فسمع صهيل خيل، فبحث عن سبب ذلك فقيل له: إن الملك خارج إلى الصيد والقنص، فخرج أخي ليتفرج على الموكب وهو يتعجب من خسة رأيه حيث انتقل من صنعة الجزارة إلى صنعة الإسكافية، فالتفت الملك فوقعت عينه على عين آخي، فأطرق الملك وقال: أعوذ بالله من شر هذا اليوم، وثنى عنان فرسه وانصرف راجعاً.

فرجع جميع العساكر وأمر الملك غلمانه أن يلحقوا بأخي ويضربوه ضرباً موجعاً، فضربوه حتى كاد يموت، ولم يدر ما السبب، ثم رجع إلى موضعه وهو في حالة العدم، ثم مضى إلى إنسان من حاشية الملك وقص عليه ما وقع له، فضحك حتى استلقى على قفاه وقال له: يا أخي اعلم أن الملك لا يطيق أن ينظر إلى أعور، ولا سيما إن كان العور شمالاً فإنه لايرجع عن قتله، فلما سمع أخي ذلك الكلام، عزم على الهرب من تلك المدينة، ثم ارتحل منها وتحول إلى مدينة أخرى لم يكن فيها ملك، وأقام بها زمنا طويلاً ثم بعد ذلك تفكر في أمره وخرج يوماً ليتفرج فسمع صهيل خيل خلفه فقال: جاء أمر الله، وفر يطلب موضعاً ليستتر فيه، فلم يجد، ثم نظر فرأى بابا منصوباً فدفع ذلك الباب فوقع ودخل فرأى دهليزاً طويلاً، فاستمر داخلا فيه، فلم يشعر إلا ورجلان قد تعلقا به وقالا له: الحمد الله الذي مكننا منك يا عدو الله هذه ثلاث ليال ما أرحتنا ولا تركتنا ننام ولا يستقر لنا مضجع فقال أخي: يا قوم ما أمركم بالله؟ فقالوا: أنت تراقبنا وتريد أن تفضحنا وتفضح صاحب البيت، أما يكفيك أنك أفقرته وأفقرت أصحابك؟ ولكن أخرج لنا السكين التي تهددنا بها كل ليلة، وفتشوه فوجدوا في وسطه السكين التي يقطع بها النعال.

فقال: يا قوم اتقوا الله في أمري، واعلموا أن حديثي عجيب. فقالوا: وما حديثك؟ فحدثهم بحديثه طمعاً في أن يطلقوه، فلم يسمعوا منه ما قاله، ولم يلتفتوا إليه، بل ضربوه ومزقوا أثوابه، فلما انكشف بدنه وجدوا أثر الضرب بالمقارع على جنبيه فقالوا له: يا ملعون، هذا أثر الضرب يشهد على جرمك، ثم أحضروا أخي بين يدي الوالي فقال في نفسه: قد وقعت بذنوبي، وما يخلصني إلا الله تعالى، ثم قال له الوالي: يا فاجر ما حملك على أن ضربت بالمقارع إلا جرم عظيم، وأمر بضربه مائة سوط ثم حملوه على جمل ونادوا عليه: هذا جزاء من يهجم على بيوت الناس، فلما سمعت به أنا خرجت إليه وما زلت دائراً معه وهم ينادون عليه حتى تركوه، فأتيت إليه وأخذته وأدخلته المدينة سراً، ورتبت له ما يأكل وما يشرب.

مقطوع الأذنين

أما أخي الخامس، فإنه كان مقطوع الأذنين، وكان فقيراً يسأل الناس ليلاً، وينفق ما يحصله بالسؤال نهاراً، وكان والدنا شيخاً كبيرا طاعنا في السن، فخلف لنا سبعمائة درهم، فأخذ كل واحد منا مائة درهم، ولما أخد أخي الخامس حصته، تحير ولم يدر ما يصنع بها، فبينما هو كذلك إذا وقع في خاطره أنه يأخذ بها زجاجاً من كل نوع ليتجر فيه ويربح، فاشترى بالمائة درهم زجاجاً وجعله في قفص كبير، وقعد في موضع ليبيع ذلك الزجاج وبجانبه حائط فأسند ظهره إليه وقال لنفسه: إن رأسي مالي في هذا الزجاج مائة درهم، وأنا أبيعه بمائتي درهم، ثم اشتري بالمائتي درهم زجاجاً وأبيعه بأربعمائة درهم، ولا زال أبيع وأشتري إلى أن يبقى معي مال كثير فاشتري به جميع المتاجر والعطريات حتى أربح ربحاً عظيماً، وبعد ذلك اشتري داراً حسنة واشتري المماليك والخيل والسروج المذهبة، وآكل وأشرب، ولا أخلي مغنية في المدينة حتى أجيء بها في بيتي واسمع أغانيها، هذا كله وقفص الزجاج قدامه، ثم قال: وبعد ذلك أرسل جميع الخاطبات في خطبة بنات الملوك والوزراء، وأخطب بنت الوزير.

فقد بلغني أنها كاملة الحسن بديعة الجمال، وأمهرها بألف دينار، فإن رضي أبوها حصل المراد، وإن لم يرض أخذتها قهراً رغم أنفه ومتى جاءت إلى داري اشتري عشرة غلمان صغار، ثم اشتري لي كسوة الملوك والسلاطين، وأصنع لي سرجاً من الذهب مرصعاً بالجواهر، ثم أركب ومعي المماليك يمشون حولي وقدامي وخلفي، حتى إذا رأني الوزير قام إجلالا لي وأقعدني مكانه ويقعد هو دوني لأني صهره، ويكون معي خادمان بكيسين في كل كيس ألف دينار، فأعطيه ألف دينار مهر بنته، وأهدي إليه داري، فإذا جاء أحد من جهة أمرأتي، وهبت له دراهم، وخلعت عليه خلعة، وإذا أرسل إليَّ الوزير هدية رددتها عليه ولو كانت نفيسة لم أقبلها منه، حتى يعلم أني عزيز النفس في أعلى مكانة، ثم أعمد إلى إصلاح شأني كما أصلح داري، فإذا جاء وقت الزفاف لبست أفخر ثيابي وقعدت على مرتبة من الديباج لا التفت يميناً ولا شمالا لكبر عقلي ورزانة فهمي، وتجيء امرأتي وهي كالبدر في حليها وحللها، وأنا لا أنظر إليها عجباً وتيها حتى يقول جميع من حضر: يا سيدي امرأتك وجاريتك قائمة بين يديك، فأنعم عليها بالنظر، ثم يقبلون الأرض قدامي مراراً فعند ذلك أرفع رأسي وأنظر إليها نظرة واحدة ثم أطرق برأسي، فيمضون بها وأقوم وأنا أغير ثيابي وألبس أحسن مما كان عليَّ، فإذا جاءوا بالعروسة لا أنظر إليها حتى يسألوني مراراً فأنظر إليها ثم أطرق إلى الأرض ولا أزال كذلك حتى يتم جلاؤها.

قالت شهر زاد:  بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين الخامس قال: ثم إني أمرهن أن يدخلنني على العروسة، فإذا أدخلني عليها لا أنظر إليها ولا أكلمها احتقاراً لها لأجل أن يقال إني عزيز النفس، حتى تجيء أمها وتقبل رأسي ويدي وتقول لي: انظر إلى جاريتك فإنها تشتهي قربك، فأجبر خاطرها بكلمة ولا تزال تستعطفني حتى تقوم وتقبل يدي ورجلي مراراً ثم تقول: يا سيدي إن بنتي صبية مليحة ما رأت رجلاً فإذا رأت منك هذا الانقباض انكسر خاطرها فمل إليها وكلمها، ثم إنها تقوم وتحضر لي قدحاً فيه شراب، وتأخذ بنتها القدح لتعطيني إياه، فإذا جاءتني تركتها قائمة بين يدي وأنا متكئ على مخدة مزركشة بالذهب لا أنظر إليها من كبر نفسي وجلالة قدري حتى تظن في نفسها أني سلطان عظيم الشأن، فتقول: يا سيدي بحق الله عليك لا ترد القدح من يد جاريتك، فلا أكلمها، فتلح عليَّ وتقول: ل ابد من شربه وتقدمه إلى فمي، فانفض يدي في وجهها وأرفسها وأعمل هكذا. ثم رفس أخي برجله فجاءت في قفص الزجاج وكان في مكان مرتفع فنزل على الأرض فتكسر كل ما فيه. ثم قال أخي: هذا كله من كبر نفسي، ولو كان أمره إلى يا أمير المؤمنين لضربته ألف سوط وشهرته في البلد. بعد ذلك، صار يلطم على وجهه ويمزق ثيابه ويبكي، والناس ينظرون إليه وهم ذاهبون إلى صلاة الجمعة، فمنهم من يرمقه ومنهم من لم يفكر فيه.

back to top