طال الغزو
هي فرضية أتمنى أن تتابعوها لحين الوصول إلى الرسالة المنشودة منها، وأن تنظروا إليها بتجرد من أي مؤثر عاطفي قد يجعلكم تنظرون للأمور بمنظور آخر.لو فرضنا أن الغزو العراقي للكويت استمر إلى اليوم وتلاشى كل اعتراف دولي بها، بمعنى إلغاء هذا الوطن من الخريطة وتشتيت مواطنيه وفقدان هويتهم الرسمية، فما حال المواطنين السابقين لدولة كانت تسمى الكويت؟ من الطبيعي أن مواطني هذه الدولة، إما أن يشردوا في مختلف بقاع الأرض أو أن يرضوا ويسلموا بهوية رسمية جديدة تسمى العراق.
وحديثي اليوم عمن تشردوا بعد تلاشي الدولة، فهم سيبحثون عن الإقامة في بقعة من الأرض رسمياً أو غير رسمي وعن مكان يؤوي شتاتهم، ولن تهمهم ساعتها كيفة العيش، بل كل همهم الحياة في أقل مقوماتها، وستنقضي الأيام وتمر حتى تنسى أجيالهم اللاحقة أسباب تشردهم أصلا، ولن يعرف أبناؤهم وأحفادهم وطنا غير الوطن الجديد الذي ولدوا فيه. توافرت لهم مقومات الحياة البسيطة، فهذا يعمل في الدولة "س" كنجار، وآخر يعمل ممرضاً في الدولة "ص"، وثالث يعمل في البناء، ورابع في خدمات الأمن والحراسة في هذه الدولة أو تلك، لا يعيشون كما كانوا في الكويت لكنهم يسدون احتياجاتهم واحتياجات أبنائهم البسيطة من صحة وتعليم ومأوى وطعام، على أمل أن يتمكن الأبناء مستقبلا من صنع واقع أفضل لهم من خلال تعليم وشهادات تمكنهم من الأفضل. وفجأة قررت بعض الدول التي استضافتهم على مر السنين أن تحرم أبناءهم من أمر أساسي لا يمكنهم الاستغاء عنه وهو التعليم، فطالما أنهم ليسوا من تلك الدولة وحتى إن ولدوا فيها فلن يحظوا بالتعليم، فكانت الطامة الكبرى بالنسبة إليهم، فهم بلا هوية ولا أمل في مستقبل أفضل قد يتحقق من خلال التعليم الجيد، مما يعني أنهم سيتكاثرون دون أمل بحال أفضل، بل قد تؤول الأمور إلى الأسوأ، فهل يقبل إنسان بهذه الحال؟هذه بالضبط هي حال المقيمين اليوم بلا هوية في الكويت، ولا أقول هنا بأنهم كلهم يستحقون الجنسية أو الإقامة الدائمة، فأنا أقر بأن بعضهم يحاول استغلال المشكلة العالقة على أمل أن يحظى بنصيب معين من تزويره وتدليسه، ولكن كل ما أقوله أنه لا يجوز أبدا أن نساوم أي شخص يعيش على هذه الأرض على أمرين أساسيين وهما الصحة والتعليم، فالحقوق الإنسانية لا يساوم عليها ولا تستخدم كوسيلة ضغط أبداً، لأن التعليم هو الملاذ لحياة أفضل، وكم من أب معدوم الجنسية يحلم بأن يحقق له أبناؤه مستقبلا أفضل من خلال التعليم، وكم من أم تبكي كلما رأت أبناءها في موعد العودة من المدرسة وهم يعودون لمساكنهم بعد أن قضوا اليوم في بيع البطيخ على الأرصفة.إن التعليم تحديدا حق إنساني أصيل وليس مكملا أو إضافة للحياة، فمهما اختلفت وجهات نظرنا أو انطباعاتنا فلنعزل حق التعليم منها لأن استخدامه كأداة ضغط دناءة ننأى بأن تكون الكويت جزءاً منها.