حول الفلاح كشخصية سينمائية وتطور أو تغير صورتها، يقول الناقد كمال رمزي إنه يمكننا تقسيم نمط وشخصية «الفلاح» في السينما المصرية عبر مرحلتين أو ثلاث، وهي مرحلة ما قبل ثورة يوليو 1952 ومرحلة انتصاف السبعينيات، وصولاً إلى أيامنا هذه، موضحاً أن ثمة إحصاءات سينمائية كانت تُقام على الأشكال والشخصيات السينمائية المختلفة، أظهرت اهتماماً بصورة الفلاح تعكس أهمية وقدر هؤلاء الأفراد في الواقع، وأهمية إبرازهم فنياً وجعلهم مادة للتناول في أعمال كثيرة في تاريخ السينما العربية.

Ad

وعن البدايات التي تناولت الفلاح والريف المصري، يرى رمزي أنها كانت «ساذجة»، وذلك قبيل انطلاق ثورة يوليو، من خلال عدد من الأدوار الهامشية لأفلام تتحدَّث عن حياة القصور في الريف، لتشهد تحسناً نسبياً في أفلام كـ «زينب» لمخرجه محمد كريم، والتي استعرض بمهارة حياة فلاحة بسيطة وقعت في قصة حب، وأجبرتها التقاليد المجتمعية الصارمة على الزواج من رجل آخر. ورغم أن الفيلم لا يناقش بعمق حياة الفلاح، فإنه تعرَّض لعادات ريفية راسخة وبعضها باق إلى الآن.

ويضيف رمزي أن ما بعد ثورة يوليو واحتياج الدولة إلى توظيف الفلاح بشكل سياسي في منتجها الفني في الستينيات، بدا واضحاً حرص السينما على عرض معاناة وقهر الفلاح وما تعرض له قبل الثورة من خلال طبقات الإقطاع والسلطة الحاكمة، لتعود في فترة السبعينيات صورة الفلاح إلى سابق عهدها، حيث تم إهمالها مع توجه الدولة نحو الانفتاح الاقتصادي، لتصل المعدلات إلى أقل مستوياتها في الحديث عن هذا النمط في آخر ثلاثة عقود نعيشها الآن من حيث حجم الأفلام المنتجة عن الفلاحين.

يرصد المخرج علي بدرخان الفروقات بين نوعين من الأفلام التي تعرضت لحياة الفلاح في السينما، منها التي عكست بصدق قضايا أكثر تعبيراً عن الفلاح المصري ومروره بمراحل التعليم البسيطة واكتفائه بالكُتّاب، وحلمه بالأزهر وعدد من الموضوعات الحياتية كالصحة والسكن، و{أتذكر أن ثمة قراراً رسمياً صدر وقتها بحظر  تصوير بيئات الفلاحين أو منازلهم وجاء في نصها صراحة أن ذلك نظراً إلى «تدني مستواها».

تجريف متعمد

ويضيف بدرخان أنه حصل {تجريف متعمد} لشخصية الفلاح في السينما كأحد أعراض تراجع الفنون عموماً، وتم تحويل الفلاح فنياً إلى {كلاشيه} لا يشبه الحقيقة في شيء، وظهرت أفلام كـ {خريف آدم} من إخراج محمد كامل القليوبي العام 2005، وحتى {بوحة} لرامي الإمام 2005 تؤكد تراجعاً حاداً في الاهتمام بالفلاح.

الناقدة خيرية البشلاوي ترى أن صورة الفلاح تعرضت لكثير من منحنيات الصعود والهبوط من حيث طبيعة تناولها، و{بعيداً عن الربط السياسي وتأثيره على السينما وما تتناوله، فإن ثمة تغيرات واسعة نلمسها بين الأفلام التي تتحدث عن الريف والعاملين فيه من فلاحين. ففي فترات قديمة من عمر السينما وبالعودة خمسة عقود إلى الوراء سنجد أن ثمة أفلاماً استعرضت بشكل جاد قصص الفلاحين وأنماط معيشتهم، وأكثرها تعبيراً عن تلك النوعية فيلم {ابن النيل} الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1951، والذي رصد بدقة قصة فلاح تمرد على أوضاعه، وترك القرية وانغمس في صخب العاصمة، قبل أن يعود لينقذ زوجته التي تركها بعد أن خرج من السجن}.

وتتابع: «في ما نجد لاحقاً، وفي فترات الإنتاج السينمائي المعاصرة، حالة من السطحية التامة في التعامل مع الفلاحين وعاداتهم ودورهم، ليظهروا إما مجموعة من السذج أو السلطويين الذين يقهرون المرأة، ويخصعون تماماً للحاكم في البلدة ممثلاً في شخص «العمدة». ولكن هذا لا يمنع أن ثمة أعمالاً حاولت الحفاظ على ما تبقى من رمزية صورة الفلاح أو الريفي وآخرها فيلم «عصافير النيل» للمخرج مجدي أحمد علي، والذي رصد فيه زحف «الحداثة» على صورة الفلاح الذي يتمكن رغم الصراعات الحياتية من أن يحيا وسط بيئة شعبية».

وتضيف أن الأفلام قديماً عكست القضايا الحقيقية للفلاح المصري، في حين قدمته أفلام أخرى كمجرد خلفية للأحداث الرئيسة، وأن الأولى ظهرت فيها مكونات المجتمع الريفي والعادات الاجتماعية للفلاحين، وطغت مشاهد بيت العائلة الكبير وفكرة الأجيال الممتدة والصراعات المتواصلة لتعليم أبناء الفلاحين أو صدامهم مع الطبقات الأخرى ومشاكلهم الحقيقية، إلى جانب الحديث عن «الفلاحة».

تضيف: «وثمة أفلام أخرى حديثة نسبياً أبرزت الفلاح كمهاجر ساذج يصل إلى القاهرة أو حتى أوروبا ليصيبه انبهار شديد، ويكون محوراً لمفارقات مضحكة، مثل فيلمي «المتسول»، و{عنتر شايل سيفه» لأحمد السبعاوي في الثمانينيات».

الناقد طارق الشناوي يرى أنه «يمكننا إجراء مقاربات واضحة جداً عن التحولات في نموذج الفلاح في السينما المصرية، سواء بين أفلام قديمة وحديثة أو أفلام جيدة وأخرى رديئة، فمن الأفلام الجيدة الكاشفة لهذا التحول وتعد علامات سينمائية تحدثت عن «تيمة الفلاح»، هي «شيء من الخوف»، و{الأرض»، و{الزوجة الثانية»، حيث ناقش الفيلم الأول رمزية الأرض والفلاح الذي يمارس دوراً فاعلاً في مقاومة السلطة والتغلب على الكبت المجتمعي، بينما ناقش الثاني حياة الفلاحين بكامل تفصيلاتها الدقيقة وبصورة لم يسبق تقديمها في السينما المصرية، واتفق الجميع على روعتها، ليكون الثالث هو الأكثر واقعية، ولا يزال الريف حالياً يتذكر هذه الأجواء التي لم تعد معتادة الآن».

ويلفت الشناوي إلى أن الأمر لم يعد كذلك الآن، فحال الفلاح سينمائياً لا يختلف عنه في الواقع كثيراً، فقد جرى إهمال الفلاحين وتهميش قضاياهم، وكما أثر الزحف العمراني والأسمنتي على الأراضي الخضراء، زحف التردي على الأعمال التي تقدم صورة الفلاح في أوقات لاحقة.