لم يقصد أحد دور السينما لمشاهدة فيلم «روكي» الأول لبراعة التصوير، بل ذهب لتشجيع الأضعف، لروكي وأدريان، للحلاوة غير المتوقعة، لملاك التوبة، ولعبارات أفلام الملاكمة المستهلكة المعاد تركيبها والتي لا تبدو جديدة إنما مختلفة. كان الوقت ملائماً لفيلم «روكي» الذي ألفه سيلفستر ستالون وأدى فيه دور البطولة، وأخرجه جون أفيلدسن. شاهدتُه ثلاث مرات عندما نزل إلى دور العرض. أما مع أجزاء «روكي» الأخرى، التي تناولت الكبرياء والشهرة والمعاناة المصطنعة، فمرة واحدة كانت كافية، مع أن الجزء السادس Rocky Balboa عام 2006 لم يكن سيئاً. فلم يبالغ هذا الجزء في الميلودراما وأنهى سلسلة ستالون المحبوبة بنوع من الرقي، مع أن صباغ الشعر الأسود بدا واضحاً.

Ad

هل Creed جزء سابع من أفلام {روكي}؟ يُرزق أبولو كريد، عدو روكي القديم الذي يتحول إلى أعز أصدقائه، بابن يكبر في نظام رعاية الأولاد في لوس أنجلس ليصبح ملاكماً سيئاً. فينتقل إلى فيلادلفيا، ويتصل بروكي، الذي عمل في مطعم وما زال يرتدي تلك القبعة. فيدربه روكي ليشارك في مباراة مهمة.

هذه هي مجريات أحداث هذا الجزء الجديد، إلا أن Creed يبدو أفضل أفلام {روكي} بعد Rocky.

نلاحظ المهارة والابتكار في اللقطة الأولى المميزة التي يحاول المخرج وكاتب السيناريو الماهر راين كوغلر من خلالها تعريفنا إلى أدونيس جونسون في مقدمة عن لوس أنجلس عام 1998، ثم نرى لمحة عن فيلم 1976 الأصلي. dدور معظم أحداث هذا الفيلم في زمننا هذا. فيؤدي مايكل ب. جوردان دور أدونيس، الذي يخفي واقع أنه ابن ملاكم شهير متوفٍ كي يتمكن من تحقيق اسم خاص به في عالم الملاكمة.

يحب روكي هذا الشاب، إلا أن على هذا الأخير تعلّم الملاكمة بذكاء لا بغضب. ولعل الجمع بين الذكاء والغضب يشكل مفتاح النجاح. يبدو روكي متردداً في البداية، فلم يزر نادي الملاكمة القديم منذ سنوات. فهو يعيش اليوم حياة هادئة، وقد تسلسلت بضع شعرات بيضاء إلى رأسه. يبدو هادئاً إنما حزيناً. وهكذا يكون على هذين الملاكمين تعلم الكثير أحدهما من الآخر. تبدأ الجولة الأولى من ثلاث جولات، فيما يقيم أدونيس علاقة مع شابة تعمل في مجال الموسيقى تعيش في الطابق السفلي وتُدعى بيانكا (تيسا تومبسون من Dear White People، وتؤدي دورها ببراعة). كذلك يعاني روكي أزمة صحية تهدد حياته. ويواجه أدونيس بريطانياً شرساً (يؤدي دروه بطل ABA للوزن الثقيل أنتوني بيلو) في مباراة على اللقب في ليفربول.

Creed فيلمان. يحوّل الأول، الذي يتقدم بذكاء وثبات، ستالون في روكي إلى المعلّم الذي يبدو مجدداً شخصاً حقيقياً لا نجماً مشهوراً. أما الثاني، فيعتبر جوردن في دور أدونيس بطل قصة منفصلة وإنما مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأولى عن ملاكم مغمور ومظلوم آخر. يحفل نصف الفيلم، الذي كتبه كوغلر وآرون كوفينغتون، بالأفكار المستهلكة المقدمة بإتقان. أما النصف الثاني، فيتفاداها ويركز على مشاهد وعلاقات تتطور بسلاسة وتجذبنا بقوة: لا من خلال تطورات القصة أو الحسابات الجريئة، إنما من خلال اللقاءات المكتوبة ببراعة والمؤداة بمهارة.

يحمل ظهور جوردان على الشاشة نوعاً من الحلاوة مشابهاً لما لمسناه (وما زلنا) مع ستالون، فضلاً عن أن المشاهد يولي أهمية كبيرة للعلاقة الناشئة بين أدونيس والمغنية ومؤلفة الأغاني التي تؤدي دورها تومبسون لأن Creed يمنحها الوقت الكافي. عمل كوغلر وجوردان معاً في فيلم مميز مستمد من الواقع بعنوان Fruitvale Station. ولا شك في أن براعة كوغلر في توجيه الكاميرا واستخدامها عادا عليه بفائد كبيرة في الفيلم الجديد. فهو ينجح في إبقاء الممثلين محدودين داخل الإطار ويسمح للمحيط بالتعبير عن معاناتهم وحالتهم العاطفية.

أخشى أن ما يجعل Creed أفضل مما توقعت (المواد المرتبطة بالشخصيات) قد يعاكسه على شباك التذاكر. ولكن لا أحد يعرف كيف تسير الأمور. فهذه المميزات تجذب أحياناً المشاهدين، مع أن ستالون نفسه في شخصية روكي المسن يشير في Creed: {يقضي الوقت على الجميع. لا أحد يستطيع أن يهزم الوقت}. لا شك في أن هذه عبارات مستهلكة، غير أن تفوه ستالون بها بطريقته الغريبة وصوته المميز الخافت يمنحها رونقاً مختلفاً. فيشعر المشاهد بمرارة هذا الواقع وينسى أن هذه مجرد عبارة في فيلم. ومع Creed، يبرهن كوغلر أنه حقاً أحد أبرز المخرجين الشبان وأكثرهم مهارة. وقد تبين أننا كنا بحاجة فعلاً إلى جزء جديد من {روكي}. فكان يكفي إبقاء روكي ضمن الإطار المناسب.