يرى الناقد الفني طارق الشناوي أن الحارة «ثيمة» سينمائية قديمة جداً، اتخذت أشكالا عدة تدعم الرأي القائل بأنها أحد أعمدة الموضوعات التي قام عليها فن السينما، وهي عريقة فيناً. ويمكن أن نرصد ثلاث فترات أساسية في ما بينها اختلافات واضحة حول شكل {الحارة} في الأعمال المختلفة قديماً وحديثاً.

Ad

ويوضح الشناوي أن تلك الفترات هي كالتالي: من الثلاثينيات وحتى الخمسينيات، ثم حتى الثمانينيات في فترة عرفت بـ {الواقعية}، وأخيراً الفترة من 1981 وحتى 2011 قبل سنوات. ويشير إلى أن أبرز علامات المرحلة الأولى فيلم {العزيمة} إخراج كمال سليم، فيما ظهرت خلال الفترة الثانية أعمال، أبرزها {السقا مات} و{حمام الملاليطي}، لمخرجين مثل صلاح أبو سيف، قبل أن نصل إلى أعمال جسدت الحارة في أحوال مضطربة ضمن مجتمع يعاني في عمومه.

ولفت إلى {ملاحظة فنية} بحتة حول تلك الأعمال كافة، وهي أن {المكان} الذي اعتمدت عليه لم يكن {حقيقياً} بشكل كبير، بل جاء {متخيلاً} من المخرج، نظراً إلى الصعوبة البالغة في التصوير داخل شوارع وحارات حقيقية، وخلت غالبية الأعمال من تفاصيل حية كنا نراها يومياً في المقهى والمسجد ومحل الجزارة.

توظيف الواقعية

وترى الناقدة ماجدة موريس أن صورة الحارة في السينما بدأت هامشية في مرحلة، وبعدها برعت في توظيف الواقعية واستحضار تصورات سينمائية عميقة شغلت الرأي العام فعلاً ولفتت الأنظار إلى الحارة والنفوس البشرية فيها وقضاياهم. ثم رأينا بعد ذلك اختلافاً تجسد في الاستغراق داخل عرض العنف والفساد والزحف العشوائي، ويتوقف الأمر أيضاً على صانعي العمل، وقد يتغير شكل الحارة وفقاً لمنظورهم الشخصي وشخصيتهم الفنية. على سبيل المثال، ثمة من ركَّز منهم على سمة الحارات القديمة، وآخرون أرادوها نظيفة في أبهى صورها السينمائي، والبعض في أكثر حالاتها احتقاناَ وعدواناَ.

وتضيف موريس أن ثمة فروقات فنية وثيقة الصلة بالمتغيرات السياسية والحياتية على حد سواء، ففي فترة الأربعينيات اهتم المخرج كامل التلمساني (السوق السوداء -1945) بحبكات وكوادر تعكس واقع الحارة الشعبية والحي المصري عن قرب، فيما استخدم السيناريو في فترات السادات لرسم صورة سينمائية عن الحارة كـ {ظهير شعبي} في أعقاب الحروب وظهور شخصيات مثقفة في الحارة تثني على دور {الضابط} وتدعمه.

أما بالنظر إلى ملاحظات فنية بحتة، فنجد فيلم «بين القصرين» الذي اتخذ من حارات الحسين مسرحاً أساسياً ووحيداً في الأحداث، ونقل نجيب محفوظ التفصيلات الحرفية للحارة وأفرادها ودكاكينها وشخوصها والشرائح الاجتماعية فيها. تلاه فيلم «ليه يابنفسج» إخراج رضوان الكاشف في الثمانينيات، وهو اعتمد على الانطباعات كالإحساس بالعزلة والانفصال عن المدينة المركزية، وأخيرا «حين ميسرة» الذي صدم الجميع بمشاهد ومواضيع السحاق والسرقة والبلطجة وسفاح الأقارب.

 واختتمت أنه بالنظر إلى فروقات فنية بحتة، فسنجد أن بعض الأفلام اعتمد أداء الممثلين الملحمي والنصوص الثقيلة والإخرج الرصين، وذلك لطرح «أفكار» تعالج قضايا وأنماطاً وقيماً ضد الإقطاع أو الفساد، ولاحقاً اعتمدت على «الماكياج والمؤثرات والديكورات»، لتنقل مشكلات عبر استعراض «المنظر والمشهد» بتوظيف الموسيقي وزوايا التصوير.

الناقد نادر عدلي قال إن ثمة نحو 4200 فيلم ظهرت منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى بدايات الألفية الحالية، واستحوذت «الحارة» على قرابة الألف فيلم منها ظهرت من خلالها بقوة، وتحدثت حينها هذه الأفلام كافة عن مختلف أشكال الحارة ومراحل التطورت التي مرت بها.

ويقول: أذكر دراسات عدة اطلعت عليها بخصوص «أفلام الحارة»، وعلق في ذهني قرابة الـ 60 فيلماً تمثل الحقب المختلفة لتاريخ السينما المصرية. ومما لا شك فيه أن أبعاد السياسة والفن أسهمت في صنع «ثيمة الحارة»، وقد ظهرت مرات بشكل أسطوري أو عكست هويات اجتماعية معينة أو عبرت عن ظلم الجموع من سطوة فتوة أو مدح «ابن البلد» أيضاً.

ويستطرد: «ثمة حقبة عبرت فيها «سينما الحارة» عن مجموعة من القيم البيئية والشعبية والريفية، فيما سجلت حقبة أخرى تبدأ فيها الحارة في التخلي عن أصالتها والقيم المميزة لها، لتصل في النهاية إلى استعراض لتغيرات سلبية طغت على الحارة بعدد من القيم العشوائية وطغيان الظلم والتسلط الفردي أو الرسمي بسبب الظروف الاجتماعية والسياسية والتاريخية، كما ذكرت.