حسب المفهوم الأمني فإن اصطلاح «شد أجزاء» يعني اللحظة التي تُرفع فيها درجة الاستعداد قبل المواجهة الأخيرة الحاسمة، حيث يتم نقل مفتاح أمان السلاح الناري إلى وضع التشغيل، والإطلاق، وهو ما فعله بالضبط الضابط الشاب «عُمر العطار» (محمد رمضان) بعدما فوجئ باعتداء بعض الأشرار على بيته، وقتلهم زوجته أمامه، فما كان منه كي يتجنب بطء إجراءات الملاحقة والتقاضي، والقفز على الثغرات القانونية الكثيرة التي تبرئ ساحة المتهمين في العادة، سوى أن هجر وظيفته، وأخذ على عاتقه أن يُطبق العدالة بنفسه، ويقتص لزوجته التي تحمل اسم {آية} (دنيا سمير غانم) وابنته الرضيعة التي أصبحت مجبرة على أن تعيش بقية حياتها يتيمة الأم!

Ad

إنه الحل الفردي، كما رأيناه في كثير من الأفلام المحلية والعالمية، والاعتراف العلني من بعض الكتاب والمخرجين بعجز النظام القضائي، وتعدد الثغرات القانونية بما يتيح هروباً آمناً للمجرمين ينبغي مجابهته، والحد من تفاقمه، كما فعل وحيد حامد في فيلمي {الغول} (1983) و{التخشيبة} (1984)، وما جرى في الأفلام التي تناولت ظاهرة {الاغتصاب}، ولجأ الأزواج فيها إلى القصاص بأنفسهم من المغتصبين في غياب القانون، كما حدث في فيلمي {الثأر} (1980) سيناريو وحوار فايز غالي وقصة وإخراج محمد خان و{الأوباش} (1986) تأليف محمود الطوخي وإخراج أحمد فؤاد. ويتكرر بصورة أخرى في فيلم {شد أجزاء} الذي يبرر مؤلفه محمد سليمان عبد المالك ومخرجه حسين المنباوي حتمية الحل الفردي لمحاربة الفساد، وتورط عدد من رجال المال والأعمال في ارتكاب جرائم قتل يروح ضحيتها الأبرياء رغبة منهم في إخفاء أدلة فسادهم.

تكشف أحداث الفيلم أن الزوجة المغدورة {آية} صحافية كانت تملك وثائق تدين مافيا نهب وسرقة أراضي الدولة، لكن السيناريو وقع في خطأ فادح بتركيزه غير المبرر على أن المافيا لم تتعمد قتل {آية}، بل استهدفت الوثائق التي بحوزتها، ولكن تدخل زوجها الضابط وإطلاقه الرصاص الذي أشعل الفتيل، تسبب في قتلها!

ثغرة درامية قاتلة تهدم الفيلم بأكمله، وتذهب به إلى اتجاه آخر، كونها تبرئ ساحة المجرمين، وتُلقي باللائمة على الزوج، الذي تسرع واندفع، ووضع مفتاح الأمان في حيز التشغيل، بعدما {شد الأجزاء}، وكرر الأمر عندما لجأ إلى {القوة المفرطة}، واغتال المجرمين بدم بارد ثم ذهب بملء إرادته، وبمنتهى المثالية، إلى قسم الشرطة ليُسلم نفسه إلى رفاقه القدامى، وأوصى رئيسه (ياسر جلال) برعاية طفلته الرضيعة!

هذه السقطة الدرامية، فضلاً عن المبالغة في رسم الملامح الخارجية لشخصية {عُمر}، بعد استقالته، وتجهيز نفسه بالسلاح الآلي، وكأنه Rambo أو Rocky أو The Terminator نسف من مصداقية الشخصية كثيراً، وجاءت لعثمة، وريبة «وائل» (محمد شاهين) في ظهوره الأول، وهو يُذكر صديقه وزوج ابنة خالته «عُمر» بذكرى زواجه، لتعطي إيحاءَ للمتفرج بأنه «خائن»، وهو ما حدث بالضبط، على عكس الصراع المُبرر الذي احتدم بين «عُمر» والبلطجي «محمود العراقي» (محمد ممدوح) ومنطقية التعاطف الذي أبداه «عُمر» تجاه «شيماء» (نسرين أمين) التي ضبطها في قضية دعارة، وأعجب بها لأنها اختارت التوبة، والعمل في فندق شعبي، ثم ساعدها في تحقيق حلمها بأن تمتلك محل «كوافير»!

أجمل ما في فيلم «شد أجزاء» أنه وضع أيدينا على موهبة واعدة لمخرج شاب اسمه حسين المنباوي يخوض تجربة الإخراج السينمائي للمرة الأولى، بينما أخرج سابقاً المسلسل التلفزيوني «عد تنازلي» (2014)، فقد أظهر ثقة كبيرة بنفسه وإمكاناته، ونجح في تقديم فيلم إثارة وتشويق يُضاهي، في تنفيذ مشاهده وتوظيف عناصره، كالتصوير والإضاءة (إسلام عبد السميع)، ومشاهد الحركة والمطاردة (تصميم وتنفيذ عصام الوريث)، أفضل الأفلام الأميركية التي تنتمي إلى هذا النوع من السينما، وكانت سبباً في إبهار الجمهور المصري من الشباب والكبار على حد سواء. وطوال مدة عرض الفيلم على الشاشة لم يترهل الإيقاع أو يفقد الجمهور تواصله مع الأحداث، وبالإضافة إلى المقدرة الفائقة للمخرج الواعد في توظيف عناصره، وأدواته، أظهر قدرة أخرى على تغيير جلد بعض ممثليه، مثلما فعل مع محمد ممدوح، الذي قدم شخصية مغايرة تماماً لشخصية ضابط الشرطة الفاسد في فيلم «ولاد رزق»، الذي عُرض في موسم عيد الفطر أيضاً، واجتهد في فعل الشيء نفسه مع الممثل القدير محمد أبو الوفا، الذي أسند إليه شخصية «صبري حماد»، وهو رجل أعمال يدير مافيا نهب الأراضي، لكن الصورة الذهنية للممثل، بملامحه الطيبة وأدواره الخيرة السابقة، لم تقنع أحداً بأنه Tycoon أو{رجل مافيا}، بينما كان محمد رمضان مقنعاً كونه اجتهد كثيراً في اكتساب مهارات ولياقة شخصية.