استمعت كثيراً لآراء المفكر إسلام البحيري، ولم أجد أي مبرر للحكم الذي صدر بحبسه بتهمة ازدراء الأديان، هذا الإنسان المحترم الجريء في مواجهة التحجر والاستكانة وقبول أفكار وتفسيرات لعلماء زمانهم مكانه التقدير والاحترام لا الخضوع للمتطرفين والخائفين الذين يرون في كل نقد لتفسيرات قدماء المفسرين خروجا عن الدين.

Ad

الدين الإسلامي يمر بمحنة كبيرة بسبب هذا التحجر والتعنت، ورفض أي فكر مستنير في زمن تغير فيه كل شيء إلا بعض تفسير الآيات القرآنية وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. إن الذي نراه من تطرف وتباعد بيننا وشعوب العالم وثقافاته ما هو إلا نتيجة توقفنا عند نصوص كتبت في عصور سابقة لا يصلح كثير منها لهذا العصر الذي نعيشه، فإسلام البحيري لم يكفر بالله، بل إنه ربما أكثر تدينا وفهما لدين الله ممن ادعوا عليه ونالوا من حريته، وشبابنا اليوم لم يعد يقبل بعض الأفكار والنصوص التي تتنافى مع واقع العلم وما وصل إليه الفكر من تقدم في كل المجالات.

كنت أقول لبعض المتشددين: ألا ترى معي أن الرقّ قد زال ولا يستطيع أحد أن يتملك إنساناً رغم أن القرآن الكريم لم يحرم الرق؟ ألا ترى أننا نسافر للحج بالطائرات والسيارات رغم أن القرآن ينص على أن نلبي دعوة الحج مشيا على الأقدام أو على ظهر الحمير والخيول والجمال؟ ألم يرفض العلماء القدامى فكرة كروية الأرض وفسروا الآيات حسب فهمهم فقط، وذلك لعدم وجود علم يبين شكل الأرض وغيرها من الكواكب.

إن الضياع الذي يعيشه الشباب والقلق والتذبذب والتردد بين ما يعيشونه وبين ما يقوله ويحرمه مفسرو الزمن القديم ما هو إلا نتاج غياب مفكرين ومنظمات إسلامية جريئة لا تمس قرآننا الكريم، إنما تفسره على ضوء المعطيات العلمية والاجتماعية والسياسية بفهم حديث للنصوص، وفرز جاد ودقيق للسنّة النبوية التي يحاول اللعب فيها الملوك والأمراء والتجار ومسهلو الأمور لكل هؤلاء. إذا لم نبدأ بوضع خطة يشترك فيها العلماء، علماء الدين وعلماء الطبيعة وكل العلوم والمبدعين في كل نواحي الحياة لينقحوا الحديث مما علق به، وليعاد التفسير بناء على مستجدات العلم والحياة فإننا سنظل على تخلفنا يتلاعب بديننا الجهلة ومن في قلوبهم مرض.

إذا لم نفعل ونعيد لإسلام البحيرة وكل من اضطهد بسبب أفكاره فإننا لن نستغرب استمرار تدفق الشباب إلى جماعات الإرهاب والتدمير والقتل، فهذه المنظمات التي ترعاها مخابرات دول تجد في هذا الجهل ضالتها وجنودها المستعدين للموت في سبيل كلام فارغ أرخص لهم حياة البشر وأوعدهم بالجنة مقابل القتل والتدمير، هؤلاء المنضوون تحت ظلال الإرهاب والقادرون رغم صغر سنهم على القتل، قتل أي كان من مسلم أو غير مسلم ما دام العقل فارغا والملقن جاهزاً ولا وجود لأي فكر مستنير يعيد لهم عقولهم.

إسلام البحيري يجب إطلاق سراحه ومساندته ودعمه بالباحثين والعلماء لنجدد فكر الإسلام دون خروج عن مبادئه الأساسية. إسلام البحيري كان صرخة صادقة لحماية الإسلام مكانه في مقدمة العلماء لا في السجون.