على وقع الازمة المتصاعدة بين طهران والرياض، يشهد السجال السري والعلني بين العراقيين، تحولاً جديراً بالملاحظة في الميول والتقديرات التي تشكل ضغطاً مباشراً على السياسة الخارجية للبلاد.

Ad

فرغم وجود انقسام طائفي عميق في العراق تعززه كل أخطاء السياسة وقسوة الحرب، فإن عراقيين من كل المكونات وجدوا أنفسهم يخوضون نقاشاً موحداً: الا يمكن للعراق أن يتحول الى وسيط تهدئة في ازمات الشرق الاوسط بدل ان يندفع لزيادة الحرائق منحازا لاطراف النزاع وفق الانتماء المذهبي؟ وشاع هذا النوع من الاسئلة في وسائل الاعلام والمنتديات، خاصة بين الشباب، بعد ان حاول انصار التيار المتشدد اللجوء لطرقهم المعتادة في تأجيج النعرات الطائفية واستثمارها في ذروة التوتر الاقليمي، فانطلقت بيانات وتهديدات من فصائل معروفة بأنها موالية لطهران وتحديداً لـ«الحرس الثوري» ومعارضة لنهج التهدئة التي يحاول فريق رئيس الحكومة حيدر العبادي تنشيطها بين الحين والاخر.

وبعيدا عن المواقف المضطربة احيانا للساسة العراقيين، تحاول الطبقة السياسية استغلال ما حدث للتذكير بخطورة النزعات المتطرفة للفصائل الموالية للحرس الثوري، فهؤلاء ورغم دور لعبوه في كبح جماح تنظيم «داعش»، يهددون هيبة الدولة ويضغطون على العبادي ويستهدفون المرجع الديني الاعلى علي السيستاني نفسه واصفين اياه احيانا بالطرف «الذي ينقصه الحزم» تعليقا على تمسكه بالمرونة والعقلانية في ادارة الصراع بين المكونات العراقية.

والفرضية الاساسية التي يتمسك بها الفريق المعتدل في العراق، هي ان التحدي الارهابي والحرب مع داعش وانهيار اسعار النفط بشكل مفاجئ وحاد، امور تلزم الجميع بالحد الادنى من التعاون لوقف الانهيار وتعزيز امن المنطقة.

ورغم أن وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري لا يحظى بشعبية داخلية كما ان الوسط السياسي يعتبره شخصا مشغولا بنحت العبارات اللغوية الغريبة، فإن تحركه الدبلوماسي بين طهران ومسقط والكويت، حظي بدعم محلي واضح حتى من بعض رجال الدين الشيعة الذين بدا للحظة انهم سينجرون نحو مواقف انفعالية ضد المحيط السني.

وتقول مصادر مطلعة ان رئيس المجلس الاعلى عمار الحكيم ناقش مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ضرورة تصميم «رسالة موحدة لطهران» فحواها أن التصعيد مع المحيط العربي «سيخدم داعش ويضعف الموقف العسكري والسياسي» كما ناقش مع القادة الشيعة الاخرين تدابير لمنع الفصائل المسلحة الصغيرة من استغلال هذا التوتر وتأجيج الشارع ضد الأطراف المذهبية الاخرى، لان نجاح الميليشيات في العودة الى الاضواء ثانية سيضعف موقف الائتلاف الحكومي المدعوم من مرجعية النجف بشكل كبير، مثلما تؤدي الحركات الراديكالية في طهران في الوقت نفسه الى إضعاف جهود الرئيس الاصلاحي حسن روحاني في مواصلة دبلوماسية التصالح. وقد حاول المسلحون الشيعة استهداف مساجد سنية في الحلة جنوبي بغداد مطلع الاسبوع ما اثار حذرا شديدا في العاصمة، لكن جماعات شيعية بارزة قامت بحماية المساجد السنية الكبيرة ووجهت رسائل واضحة بأن لعب هذه الورقة ممنوع ولا يمكن تكرار «حرب الجوامع» التي شهدها العراق بعد تفجير الاضرحة الدينية في سامراء عام ٢٠٠٥. وفي الاجمال تشهد اروقة السياسة البغدادية اصرارا على تجنيب العراق اثار التوتر الجديد، ويحاول المعتدلون التذكير بخطورة نهج الحرس الثوري الإيراني الذي يستفز كل الأطراف ويحاول جعل العراق مدخلا اساسيا للصراع مع المحيط السني في الشرق الاوسط.