عيدكم مبارك... اليوم هو عيد الأضحى، العيد الذي يبرز ويبجل قيم التضحية والفداء، والصبر بتحمل مشقة أعباء السفر تلبية لفريضة سنها المولى عز وجل، فريضة الحج من العبادات التي تحيي قيم التضحية والعطاء، وتؤكد على سكينة النفس التي تبثها شعائرها، ليتنا في الكويت لا نمر عليها مرور الكرام، خاصة في هذه الفترة التي تشهد فيها البلد كمّاً كبيراً من التوتر والصدامات والجدل.

Ad

أحمد الله أنني من جيل شهد الكويت في فترة المحبة والتآخي، وذلك قبل مرحلة "الخز" وسكاكين المجمعات والأسواق القاتلة، نعم كانت "خزة" شايب في الفريج تنهي شجار صبيان عند البقالة و"شطانة" مبالغاً فيها.

كنا في السفر نبتهج بلقاء أحد من الديرة، وليس كما يحدث الآن عندما يلتقي الكويتيون في الخارج فيتبادلون النظرات، ويحاول كل طرف أن يستكشف مستوى الآخر عبر ملابسه ومقتنياته، ويحاول أن يعرف مذهبه وأصله وانتماءاته، وهو ما يجري بعد أن تكتل الكويتيون وأصبحوا قبائل وعائلات ومذاهب وأعراقاً ومناطق، ليجعلونا ندفع ثمناً غالياً لاختيارنا الديمقراطية أسلوب حكم وإدارة لوطننا.

أصبح معظمنا متوتراً ومتحفزاً للهجوم والشجار، رغم أن "الخير وايد"، ولكن الجشع أكثر، سيارات كلفتها الألوف من الدنانير وساعات مذهبة وحقائب بماركات معروفة! ومنازل شاهقة، الكل يريد المزيد ويريد أن يؤمّن وضعه وكأن البلد في مرحلة تصفية، والغريب أن الذي يملك المال والسلطة والمفترض أنه الأكثر راحة نفسية واطمئناناً على مستقبله هو وأجيال أجياله المقبلة، هو على العكس الأكثر توتراً وعصبية ونزعة لـ"أذية" البشر، بينما المتقاعد الذي يحاتي تاريخ "10 الشهر" وتنتظره الأقساط وطلبات الأهل يشرب استكانة الشاي بهدوء وراحة نفس في أحد المقاهي الشعبية!

ورغم الرواتب العالية و"مخامط" المناقصات وبدعة البدلات ومكافآة نهاية الخدمة والمشاركة بالنجاح والبونص وبدل تدريس مواد إضافية... إلخ، فإن الغالبية تلهث وراء المكاسب، ومنخرطة في الصراعات على العمولات، والتقاتل على المناصب، بينما نسمع عن طالب تضيع من عمره سنة ولا يستطيع التخرج، لأن الأستاذ في المعهد أو الجامعة يريد فلوساً إضافية على "المواد الإضافية"، رغم أن أعباءه التدريسية غير محددة!

ليتنا نقف اليوم وفي هذا العيد المبارك، ونستذكر معاني التضحية والفداء، فنقدم لبلدنا وأهلنا، أهل الكويت التضحية لحل مشكلاتها عبر التنازل عن الجشع وإدمان السلطة والجاه، فالبعض تملأ الملايين حساباته، ويريد المزيد حتى لو استقطع من فم العاجز والضعيف لمصلحته، وغالبية بيوتنا تملأها الخيارات، ومن يخدموننا، وتسد واجهاتها السيارات الفارهة، وهناك من يشقى ويؤذي أهل الديرة للحصول على مزيد من الوجاهة والنفوذ.

وليتنا أيضاً نعيش أجواء السكينة التي تفرضها أداء مناسك الحج التي نتابعها عبر الشاشات، ونتذكر أن الموت خطف أعز الناس وأعظمهم وجاهة خلال لحظات، وحوّل أغنى من ملكوا من كنوز الأرض إلى فقراء معوزين بين يوم وليلة، ونتساءل ونحن مسترخون بيننا وبين أنفسنا: "ليش معصبين... ليش متوترين"؟!