تشويه رواية ناجحة
حضر حنا مينا عرض فيلم بقايا صور المأخوذ عن روايته، التي حملت العنوان نفسه، وأخرجها للسينما نبيل المالح، وفي نهاية الفيلم صرخ الروائي معلقاً على الفيلم "أين أنا؟". كان واضحاً أن الفيلم تم تصويره بموافقة الروائي، ولكنه لم يتدخل في التفاصيل التي ساهم في إعادة صياغتها كاتبا السيناريو سمير ذكرى ومحمد مرعي، وكاتب الحوار حسن سامي يوسف. امتعاض حنا مينا كان يشير إلى أن الفيلم لم ينجح في نقل الرواية إلى الشاشة كما أراد لها الروائي. بالتأكيد لم يشأ العاملون تشويه الرواية الناجحة، ولكن الفيلم كان أقل من مستواها، ولو تم إخراجها للسينما بعد وفاة حنا مينا فليس لنا أن نلقي اللوم على الروائي، إنما على فريق العمل. أما والفيلم قد تم الاتفاق عليه والتحضير له بوجود الروائي فمن حقه أن يقبل فكرة الفيلم أو يرفضها، ومن حقه أيضاً أن يعترض على تقديم فيلم لا يمت للرواية بصلة ولا يخدمها كما يجب، ولكنه لم يفعل.تصوير فيلم أو عمل تلفزيوني عن رواية ناجحة عملية محفوفة بالمغامرة في العالم العربي تحديداً لأسباب كثيرة، أهمها ضعف الإمكانات الفنية المتوافرة في أغلب دول العالم العربي عدا مصر، وهي البلد الوحيد تقريباً الذي يمتلك طاقات فنية مميزة وكوادر في الأداء والتقنيات المختلفة، وبإمكانها أن تخدم النص الروائي. كان ذلك واضحاً في الأعمال التي قدمتها الدراما المصرية في شهر رمضان واتفاق الأغلبية على تميزها مقارنة بسواها. يضاف إلى ذلك سهولة اندماج الفنانين العرب في العمل الدرامي المصري، كما حدث للفنانين السوريين في مسلسل أفراح القبة.
يقدم الروائيون في الخليج أعمالاً روائية جيدة وتستحق أن تقدم كنصوص درامية، ولكنها تواجه معوقات كثيرة، أولها النص الدرامي المنقول عنها، مروراً بالإمكانات الإخراجية، وانتهاء بالأداء التمثيلي الذي مازال يعاني ضعف الكوادر في الأجيال التي أعقبت جيل الرواد. وما حدث لرواية ساق البامبو من تشويه كبير ومؤسف على أيدي فريق العمل، واعتماد كاتب النص إلى إضافة شخصية نسائية نسفت العمل دون مبرر سوى أن يستمر العمل ثلاثين حلقة مرتكزاً على النصف الثاني من الرواية ومتجاهلا نصفها الأول، وهو الأكثر قوة وتماسكا، كل هذا من أجل تقديم عمل يحمل بصمة خليجية وشخصيات خليجية مقابل عجز كامل عن الدخول في المجتمع الآخر. ربما سنجد العذر لكاتب النص الدرامي لو أن عمله جاء تحت عنوان مختلف، واكتفى باقتباس فكرة الرواية لا تجسيد الرواية كاملة في عمل حمل عنوانها. ولكننا لا نجد العذر للمؤلف الذي كان على علم بالنص وكتب مقدمته الغنائية بنفسه، وبالتأكيد اطلع على النص الذي سيقدم ووافق عليه. فتشويه رواية ناجحة بهذا الشكل ليس أمراً يفضله الروائي الذي يعلم أن النص المنقول عن روايته يمثلها أيضا، ويحمل اسمه كمؤلف واسم روايته. أما في حالة تقديم هذا النص المشوه من دون موافقة المؤلف عليه فذلك أمر أكثر خطورة، ويحتاج إلى رد من المؤلف نفسه.