ميليشيات العراق تتاجر بدماء «المعتدلين» في الكرادة
بعد إحدى أفظع الهجمات التي نفذها «داعش»، تحوّل سوق تجاري ترتاده البغداديات الجميلات والشباب المتأنقون، إلى مبنى محترق تغطيه لافتاتٌ ميليشياوية تدعو إلى الانتقام وراياتٌ تتبع الفصائل المقربة من حرس الثورة الإيراني.وتمثل المنطقة التي شهدت التفجير، الذي بلغ ضحاياه نحو 300 قتيل وجريح في بغداد، شيئاً بمنزلة «النادي العلماني» في العراق، إذ يجد المدنيون والليبراليون متنفساً نسبياً في منطقة الكرادة، فتنتشر مقاهي الشعراء والفنانين والصحافيين، مستغلين بيئة اجتماعية متسامحة دينياً ومختلطة طائفياً، وتعد الحي التقليدي للطبقة الوسطى في بغداد.وتعتبر المراكز التجارية التي احترقت في تفجير الكرادة، أبرز الأماكن التي توفر الماركات التجارية العالمية في الأزياء والعطور، بحيث لا يرتاد «مجمع الليث» في العادة سوى طبقة الشباب الحريصة على معايير الأناقة والموضة والقادرة على الدفع، ولهذا علق الناس على الضحايا ومعظمهم في سن الشباب بالقول: «لقد ذبح داعش أكثر العراقيين أناقة ووسامة».
من الناحية السياسية، تتكون هذه الطبقة في الغالب من علمانيين أو إسلاميين منفتحين يعترضون على سياسات التشدد الديني وخطاب الكراهية والميليشيات المقربة من طهران، ويمثل مرتادو الشارع الذي جرى استهدافه، العناصر الأساسية التي تنظم تظاهرات التيار المدني المطالبة بالإصلاح أو الحملات الاجتماعية المناهضة للانقسامات الطائفية، بحيث يمكن القول إن «داعش» استهدف نادياً بارزاً للمعتدلين العراقيين، إلا أن بعض الميليشيات العراقية تحاول استغلال دماء علمانية أو معتدلة، واستثمار الاعتداء الإرهابي لصناعة جو متشنج يدعو إلى الانتقام، ما يعني فتنة طائفية محتملة يذهب ضحاياها العديد من سيئي الحظ. وينشغل مدونون ليبراليون بالكتابة المكثفة في هذا الإطار، ويعكسون التضامن الواسع الذي حصل مع ضحايا الكرادة، ومسيرات التعاطف في أربيل الكردية والمناطق السنية وحتى مخيمات النازحين المسيحيين، كما يسلطون الضوء على أن ضحايا التفجير في الكرادة كانوا من طوائف مختلفة، كما تدل ألقاب عوائلهم، محذرين من المتاجرة بدماء الذين قضوا، ما دعا بعض الفصائل المسلحة إلى المبادرة وإزالة راياتها ولافتاتها من فوق المباني التجارية المحترقة.لكن بعض المتشددين يحاولون المضي في التحريض الطائفي مستخدمين عبارات «إلى متى الصمت والسكوت؟»، وهي صيغ تعني في العادة الدعوة إلى حملات اعتقال واغتيال في صفوف المعارضين للميليشيات، وخصوصاً من الطائفة الأخرى.وتحاول الميليشيات أن تعود إلى الأضواء بأي ثمن، لأن الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش في الفلوجة سرقت الأضواء من زعامات الفصائل، ما دفعها إلى القيام بانتهاكات بحق أهالي الأنبار وضعت بغداد في مواقف محرجة أمام التحالف الدولي الذي يقدم إسناداً مهماً للقوات العراقية ضد «داعش».ويتناقل مدونون معلومات عن دخول عناصر متشددة وسط تظاهرة شهدتها منطقة الكرادة ليل الجمعة- السبت احتجاجاً على الحكومة، لكن هؤلاء حاولوا رفع شعارات طائفية تدعو للانتقام. ويذكر شهود عيان أن قوات مكافحة الشغب ضربت المحرضين بالهراوات وهاجمتهم بقنابل مسيلة للدموع، ما دفع معلقين إلى القول إنها ربما تكون المرة الوحيدة التي يمكن أن يصفق فيها المعتدلون والعلمانيون لقوات مكافحة الشغب المعروفة بقسوتها مع منظمي الاحتجاجات!