مدينة "نوغالس" مقسمة إلى قسمين، في الشمال بولاية أريزونا الأميركية هناك "نوغالس" الأميركية، معدل الدخل العائلي بها حوالي 30000 دولار في السنة، معظم المراهقين بها منتظمون في المدارس، أما البالغون فأكثرهم متخرجون من الجامعات، الحالة الصحية لسكان نوغالس الأميركية جيدة، رغم المثالب في النظام الصحي الأميركي... إلى الجنوب من "نوغالس" الأميركية هناك "نوغالس" المكسيكية، وهي نسبياً أكثر رفاهية من بقية المدن المكسيكية، إلا أن الدخل العائلي فيها يمثل ثلث نظيره في "نوغالس" الأميركية، معظم المراهقين فيها ليسوا منتظمين بالدراسة، وتعاني، الأمهات معدلات الوفاة الكبيرة للرضع، الخدمات الصحية والطرق العامة في حالة مزرية، معدلات الجريمة عالية، حكم القانون غائب، كيف يمكن أن تقارن بين هذين الشطرين أو هاتين المدينتين؟ ولماذا تلك الاختلافات الكبيرة؟!

Ad

بيل غيتس ملياردير أميركي، ربما الأكثر ثراء في العالم في سنةٍ ما، على الجهة الأخرى من الضفة هناك كارلوس سليم المكسيكي الذي تخطى غيتس ثراء، تعرضت شركة "مايكروسوفت" المملوكة للأول لملاحقة قانونية من الادعاء العام الأميركي على سند قوانين منع الاحتكار والهيمنة على السوق في منتصف التسعينيات، كارلوس سليم احتكر بشكل مطلق مجال الاتصالات بالمكسيك، لم يحد من هيمنته الاحتكارية أي قانون أو محكمة في المكسيك، حاول أن يلعب لعبة الاحتكار أيضاً في نطاق الاتصالات بالولايات المتحدة، فتصدت له المؤسسات القانونية هناك، وانسحب منها... السؤال الآن: لماذا المقارنة بين هاتين الشخصيتين، وما شأننا بهما؟!

الباحثان الاقتصاديان دارون أسميغلو وجيمس روبنسون في كتابهما "لماذا تفشل الأمم، جذور السلطة والرفاه والفقر" المنشور عام 2012 يحددان معيار الفرق بين مدينتي نوغالس الأميركية و"نوغالس" المكسيكية، وأيضاً الخلاف بين المليارديرين بيل غيتس وكارلوس سليم في هيمنة المؤسسات الاستخلاصية (الاستخراجية) extractive institutions بالمثال المكسيكي، وسلطة المؤسسات الشاملة inclusive instituions بالدولة الأميركية وبقية الدول المتقدمة... قد تكون الترجمة السابقة غير معبرة عن نوعية المؤسسات المهيمنة في تلك الدولة، لكن يمكن القول إنه في دول المؤسسات الاستخلاصية تهيمن قلة سياسية على مقادير السلطة وتحول مقدرات الدولة الطبيعية لمصلحتها الخاصة، فتصادر السياسة والاقتصاد وينتشر وباء الفساد السياسي والإداري، بينما في دول المؤسسات الشاملة تكون هناك سيادة مؤسسة القانون العادلة، ويضمن هذا القانون الملكية والتعددية.

 يجوب الباحثان المكان والزمان، من إفريقيا في دول ما تحت الصحراء الكبرى إلى شرقنا العربي ثم الغرب الأوروبي، ثم الشرق في الصين والهند، دائماً هناك السؤال المضني: لماذا تفشل أمم بينما تنجح أمم أخرى؟ الإجابة ليست سهلة، وليست وصفة قاطعة، لكن يبقى معيار "المؤسسات السائدة" عند أنظمة الحكم وتطورها، بمعنى تقدمها وتراجعها وترددها بين الحالتين "الاستخلاصية او الشاملة" هو معيار نظرية الباحثين... لنا أن نسأل أنفسنا الآن عن نوع المؤسسات المهيمنة في العالم العربي، أو في دول الخليج، وكيف يمكن وصف مؤسساتنا بالكويت، استخلاصية احتكارية أم شاملة تعددية؟ لنفكر في الإجابة قليلاً، وكيف كنا وكيف أصبحنا… وللحديث بقية.