عندما استُهدِف مسجد الإمام الصادق (ع) في عمل إرهابي حصد حياة العشرات من المصلين الصائمين في شهر رمضان الفائت، جسّد الكويتيون لوحة نقية في التراحم والتواصل واستشعروا أهمية الأمن المجتمعي، وقد حذرنا حينها أن حالة الوحدة الوطنية جاءت في وقتٍ كنا جميعاً، كبلد وشعب، بحاجة ضرورية إليها، وأن على الجميع استثمار ذلك الحدث والبناء عليه، قبل أن يتبخر مفعوله، خصوصاً بعد توجه سمو الأمير بشخصه وتواجده في قلب الحدث، وكلمته الشهيرة «هذولي عيالي».

Ad

مبادرة الأخ الفاضل وزير التربية وزير التعليم العالي بتنظيم زيارات ميدانية لطلبة المدارس إلى موقع الحدث الإرهابي بالتأكيد تحمل مقاصد تربوية ووطنية عالية التقدير وموجبة للاحترام، ولكن يبدو أن تقديرات الوزير أو قناعاته لم تكن راسخة كما لم تحمل روح التصميم، لذلك تراجع سريعاً بعد مجموعة من الانتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتهديدات البرلمانية بمساءلته سياسياً، وإذا كان الكلام صحيحاً بأن مجلس الوزراء هو الذي أمر الوزير بالتراجع فهنا تكمن المصيبة جلها.

الحساسية الطائفية مازالت طاغية وواسعة وتغذيها الأحداث المتتالية محلياً وإقليمياً والأبواق المريضة تنفخ فيها باستمرار، ولهذا فإن قرار وزير التربية كان يفترض أن يدرس ويقيّم قبل تطبيقه، وإذا توصّلت الوزارة إلى قناعة بأن المبادرة قد تفشل فكان عليها تأجيل الموضوع أو حتى إلغاؤه، ولكن لو أخذت ردود الفعل السلبية بالاعتبار واقتنعت بضرورة ترجمة مقاصد هذه الزيارة فكان لزاماً عليها الاستمرار والصمود، وإلا فإن هذا القرار، كغيره من قرارات الدولة، مجرد اجتهادات وليس سياسة دولة أو استراتيجية حكومة، ولهذا تكون مهزوزة وتأتي للتلاعب بأعصاب الناس والنتيجة أنها «تزّعل» كل الأطراف!

يبقى أن ردود الفعل إزاء زيارة مسجد الصادق (ع) جاءت وفق نفس مريض ومعقد، فالبعض اعتبره مزاراً طائفياً والبعض الآخر رأى فيها مكافأة للطائفة الجعفرية التي يحاكم بعض أبنائها حالياً بتهمة تخزين السلاح، وذلك من زاوية مذهبية ضيقة دون النظر إلى تلك الأجواء الطيبة التي جمعت الكويتيين في سابقة طالما كنا ننتظرها، إضافة إلى توثيق ذلك الحدث الإرهابي الشائن الذي استهدف الكويت وشعب الكويت، ولكن الضحية فقط كان مسجد الصادق والمصلين فيه!

حتى الاحتجاج من هذه الزاوية المذهبية لا أجده ذا قيمة منطقية وأخلاقية أو إنسانية، فروح التسامح وتعدد الثقافات والتعارف البشري سمة حضارية تزداد مع تطورات العصر الحديث ومقتضيات العولمة، والشعوب تصرف الأموال الطائلة وتتحمل عناء السفر والترحال لزيارة معالم بلاد العالم بما في ذلك المراكز الدينية، وكثير من الدول تخصص على رأس أولوياتها زيارة مواقعها التاريخية والدينية لضيوفها من كبار المسؤولين، ويكون التعامل بالمثل حيث الوفود الكويتية الرسمية والشعبية في رحلاتها الخارجية تزور معالم الدول الأخرى ومنها الكنائس والمعابد اليهودية والمساجد التاريخية الأثرية، علماً بأن هذه الوفود تضم مختلف التيارات الفكرية ومنها الدينية بكل صنوفها، ومع ذلك نستنكر ونقلل من أهمية التلاحم الوطني في بلدنا ولو بزيارة مسجد تعرض للإرهاب، فأي إسلام نحن وإلى أي وطنية ننتمي؟!